للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: عظم شأن الدماء]

من أعظم الأمور عند الله أن يسفك العباد بعضهم دم بعض في غير الطريق الذي شرعه الله تبارك وتعالى، ففي الحديث الصحيح الذي يرويه الترمذي عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يجيء الرجل آخذاً بيد الرجل، فيقول: يا رب، هذا قتلني: فيقول: لم قتلته؟ فيقول: قتلته لتكون العزة لك. فيقول: فإنها لي. ويجيء الرجل آخذاً بيد الرجل، فيقول: إي رب، إن هذا قتلني. فيقول الله: لم قتلته؟ فيقول: لتكون العزة لفلان. فيقول: إنها ليست لفلان، فيبوء بإثمه)) (١) وفي (السنن) للترمذي، وأبي داود، وابن ماجه، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة، ناصيته ورأسه بيده، وأوداجه تشخب دماً، فيقول: يا رب، سل هذا فيم قتلني؟ حتى يدنيه من العرش)). (٢) ولعظم أمر الدماء فإنها تكون أول شيء يقضى فيه بين العباد. فقد روى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء)) (٣). قال ابن حجر في شرحه للحديث: وفي الحديث عظم أمر الدم، فإن البداءة إنما تكون بالأهم، والذنب يعظم بحسب عظم المفسدة وتفويت المصلحة، وإعلام البنية الإنسانية غاية في ذلك. ولا تعارض بين هذا الحديث وحديث أن أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة، قال ابن حجر العسقلاني: ولا يعارض هذا حديث أبي هريرة رفعه: ((إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته)) (٤) الحديث أخرجه أصحاب (السنن)، لأن الأول محمول على ما يتعلق بمعاملات الخلق. والثاني: فيما يتعلق بعبادة الخالق. وقد جمع النسائي في روايته في حديث ابن مسعود بين الخبرين، ولفظه: ((أول ما يحاسب العبد عليه صلاته، وأول ما يقضى بين الناس في الدماء)) (٥). القيامة الكبرى لعمر بن سليمان الأشقر - ص ٢٤٠


(١) الحديث لم يروه الترمذي. ورواه النسائي (٧/ ٨٤)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (٤/ ٣٤١). وقال الألباني في ((صحيح سنن النسائي)): صحيح.
(٢) رواه الترمذي (٣٠٢٩)، والنسائي (٧/ ٨٧)، وابن ماجه (٢٦٢١). قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (٢/ ٣٣٤): صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
(٣) رواه البخاري (٦٥٣٣)، ومسلم (١٦٧٨)، والترمذي (١٣٩٧)، والنسائي (٧/ ٨٣)، وابن ماجه (٢٦١٥).
(٤) رواه أبو داود (٨٦٤)، والترمذي (٤١٣)، والنسائي (١/ ٢٣٢)، وابن ماجه (١٤٢٥)، وأحمد (٢/ ٤٢٥) (٩٤٩٠). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: حديث أبي هريرة حديث حسن غريب من هذا الوجه. وقال النووي في ((المجموع)): إسناده صحيح بمعناه. وقال ابن الملقن في ((تحفة المحتاج)) (١/ ٣٣٣): إسناده صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(٥) رواه النسائي (٧/ ٨٣). وقال الألباني في ((صحيح سنن النسائي)): صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>