للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: الأدلة من السنة:]

أخرج عن أبي عبيدة عن عائشة رضي الله عنها قال سألتها عن قوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر: ١]، فقالت: ((هو نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم وشاطئاه عليه در مجوف، آنيته كعدد النجوم)) (١).

وعن أنس رضي الله عنه قال: لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال: ((أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوف فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر)) (٢)

وفي رواية أخرى للبخاري عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بينما أنا أسير في الجنة إذا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، فإذا - طينه – أو طيبه – مسك أذفر)) (٣).

وهذه الرؤية حصلت ليلة الإسراء.

وعن أنس رضي الله عنه قال: ((بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة (٤). ثم رفع رأسه مبتسما فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: أنزلت عليَّ آنفا (٥). سورة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر: ١ - ٣] (٦).

ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ (٧) فقلنا: الله ورسوله أعلم قال: فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل، عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم، فيختلج (٨) العبد منهم، فأقول: رب إنه من أمتي، فيقول: ماتدري ما أحدثت بعدك)) , زاد ابن حجر في حديثه ((بين أظهرنا في المسجد ... وقال: ما أحدث بعدك)) (٩) والقائل له هذا القول: يحتمل أن يكون من الملائكة ويحتمل أن يكون الله تعالى (١٠).

ولعل هذا الحديث إنما يتوجه إلى الحوض الذي هو خارج الجنة، بدليل ما يقع فيه من اختلاج أقوام ومنعهم من الشرب منه؛ إذ لو كان المراد النهر الذي هو داخل الجنة لما حصل المنع والاختلاج، وأما تسميته بالكوثر؛ فإن ذلك يرجع على ملاحظة أن ماء الحوض إنما هو من الكوثر حيث يمد بواسطة ميزابين.

ولهذا فإن الداودي استشكل ما جاء من أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بأن نهر الكوثر داخل الجنة بقوله عليه الصلاة والسلام: ((بينما أنا أسير في الجنة إذ بنهر ... )) إلخ. الحديث (١١) وبين ما جاء في طرد أناس واختلاجهم عنه بعدما يراهم ويناديهم ومعلوم أن تلك الرؤية له صلى الله عليه وسلم حصلت في الإسراء، فظن الداودي – كما يذكر ابن حجر – أن هذا يكون في يوم القيامة لأنه قال: إن كان هذا محفوظا دل على أن الحوض الذي يدفع عنه أقوام غير النهر الذي في الجنة، ويكون يراهم وهو داخل الجنة وهم من خارجها، فيناديهم فيصرفون عنه.

قال ابن حجر معلقا على هذا القول:

(وهو تكلف عجيب يغني عنه أن الحوض الذي هو خارج الجنة يمد من النهر الذي هو داخل الجنة فلا إشكال أصلا) (١٢).

وقد جاء التصريح كذلك بأنه نهر في الجنة في رواية الإمام أحمد، وقد ذكرها بما تقدم عند مسلم بزيادة قال: ((هو نهر أعطانيه ربي في الجنة)) الحديث (١٣).


(١) رواه البخاري (٤٩٦٥).
(٢) رواه البخاري (٤٩٦٤).
(٣) رواه البخاري (٦٥٨١)، ومسلم (١٦٢).
(٤) أغفى إغفاءة: أي نام
(٥) آنفا: أي قريبا
(٦) شانئك: أي مبغضك، الأبتر: هو المنقطع العقب.
(٧) الكوثر: نهر في الجنة كما فسرة الرسول صلى الله عليه وسلم هنا ووفي بعض الأحاديث أنه الخير الكثير
(٨) يختلج أي ينتزع ويقطع
(٩) رواه مسلم (٤٠٠).
(١٠) ((شرح ثلاثيات المسند)) (١/ ٥٣٦).
(١١) رواه البخاري (٦٥٨١)، ومسلم (١٦٢).
(١٢) ((فتح الباري)) (١١/ ٤٧٣).
(١٣) رواه مسلم (٤٠٠)، وأحمد (٣/ ١٠٢) (١٢٠١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>