للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: منزلة توحيد الألوهية]

إن التوحيد هو إفراد الله جل وعلا بالتعبد في جميع أنواع العبادات وهذا هو تحقيق كلمة لا إله إلا الله ولا تصح إلا بالمتابعة وهي شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم. والذي عليه أهل السنة والجماعة أن أول واجب هو الشهادتان، كما حكى عنهم ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: (إن السلف والأئمة متفقون على أن أول ما يؤمر به العباد الشهادتان، ومتفقون على أن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقب البلوغ) (١) اهـ.

والأدلة على أن أول الواجبات هو عبادة الله بما شرع يمكن تلخيصها في أربعة أدلة عامة:

الدليل الأول: هو أن جميع الرسل دعوا إلى توحيد الله جلا وعلا وإخلاص العبادة له كما قال الله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل: ٣٦]، وقال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: ٢٥]. ولقد وردت آيات كثيرة تبين أن آحاد الرسل يأتون قومهم فيقولون لهم: اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ.

ويتضح هذا الدليل بالعلم بأمرين وهما:

الأمر الأول: إن الأصل في بني آدم التوحيد وكان ذلك مدة عشرة قرون بين آدم ونوح عليهما السلام، فقد كانوا على التوحيد ثم نشأ فيهم الشرك – ثم إن الأصل في بني آدم: الإقرار بالله.

الأمر الثاني: معرفة الشرك الذي وقعوا فيه وهو الشرك في الألوهية.

فإذا علم الأمران، وهما: أن الأصل في بني آدم توحيد الله بعبادته، وأن الشرك الذي وقعوا فيه هو الشرك في العبادة لا إنكار وجود الله وتفرده بالخلق والرزق، علم أن الرسل جاءوا بدعوة الناس إلى عبادة الله وحده وترك عبادة غيره، فيعلم من هذا أن أول واجب على المكلف هو توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له خاصة وأن الأدلة دالة على أن كل مولود يولد على الفطرة. فيبقى بعد ذلك أن من لم يقر بوجود الله عليه أن يقر أولاً ليتوصل بإقراره هذا إلى عبادة الله فيكون وجوب إقراره وسيلة لواجب مقصود وهو إفراد الله بالعبادة، إذ الإقرار وحده لا يكفي.

الدليل الثاني: إن الغاية من خلق الإنسان هي العبادة. كما قال الله جل وعلا: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦] فقد بين الله جل وعلا أنه خلق الناس لهذه الغاية وهي عبادته، وبين سبحانه أنه فطر الناس على الإقرار به ولذلك فإنه أول ما يأمرهم يأمرهم بعبادته كما قال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: ٢١].

الدليل الثالث: وهو كما قال أبو المظفر بن السمعاني: (تواترت الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الكفار إلى الإسلام والشهادتين) (٢).


(١) ((درء تعارض العقل والنقل)) (٨/ ١١). وانظر: ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص: ٧٥).
(٢) ((مختصر الانتصار لأهل الحديث - ضمن صون المنطق والكلام للسيوطي)) (ص: ١٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>