للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: حول قول بعض السلف: من قال: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص فقد برئ من الإرجاء]

هذه المقولة السلفية النافعة، نُقلت عن غير واحد من الأئمة، منهم أبو عبد الله أحمد بن حنبل، فقد روى الخلال بإسناده إلى إسماعيل بن سعيد قال: سألت أحمد عمَّن قال: الإيمان يزيد وينقص؟ قال: هذا بريء من الإرجاء (١).

وقال البربهاري: (من قال: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، فقد خرج من الإرجاء كله، أوله وآخره) (٢).

وهذه المقولة اغتر بها بعض المتعالمين، ممن خلط بين قول السلف، وقول المرجئة في باب الإيمان والكفر، فزعم أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، ثم قال: لا يكفر بقولٍ أو عمل! ولا يكفر بترك العمل! وهذا من أعظم المخالفة لكلام السلف.

فهذه المقولة (حق ولا شك، لكن على فهم قائليها، وهو أن العمل والقول والاعتقاد أركان في الإيمان، لا يجزئ أحدها عن الآخر، وإلا فمن قال ذلك وهو لا يرى أعمال الجوارح ركنا في الإيمان، أو قال ذلك وهو يحصر الكفر في التكذيب والاستحلال، فإنه قد نطق بما قاله السلف في تعريف الإيمان، لكن لا على الوجه الذي أرادوه ... ولهذا حذر أهل العلم من بعض الكتب وأنها تدعو إلى مذهب الإرجاء، مع تبنيها أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص) (٣).

و ... من المرجئة من قال بالزيادة والنقصان، وبأن العمل شرط كمال للإيمان، كما هو مذهب متأخري الأشاعرة، مع حصرهم للكفر في الجحود والتكذيب، فهل يحتج أحد بقول أحمد - السابق - على أن هؤلاء قد برئوا من الإرجاء! (٤)

وأبلغ من ذلك أن يقال: قد وجد من المرجئة من يقول: الإيمان قول وعمل!

قال الإمام حرب الكرماني: (وسمعت إسحاق يقول: أول من تكلم بالإرجاء زعموا أن الحسن بن محمد بن الحنفية، ثم غلت المرجئة حتى صار من قولهم: أن قوما يقولون: من ترك المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامة الفرائض، من غير جحود بها أنا لا نكفِّره، يرجى أمره إلى الله بعد؛ إذ هو مقر. فهؤلاء المرجئة الذين لاشك فيهم. ثم هم أصناف:

منهم من يقول: نحن مؤمنون البتة، ولا يقول: عند الله، ويرون الإيمان قولا وعملا، وهؤلاء أمثلهم.

وقوم يقولون: الإيمان قول، ويصدقه العمل، وليس العمل من الإيمان، ولكن العمل فريضة، والإيمان هو القول، ويقولون: حسناتنا متقبلة، ونحن مؤمنون عند الله، وإيماننا وإيمان جبريل واحد، فهؤلاء الذين جاء فيهم الحديث أنهم المرجئة التي لعنت على لسان الأنبياء) (٥).

فهذه طائفة من المرجئة، كانت تقول: الإيمان قول وعمل، ولم تخرج بذلك من الإرجاء.

إن القول بأن الإيمان قول وعمل، يعني إثبات أمرين لا نزاع فيهما بين أهل السنة:

الأول: أنه لا يجزئ القول ولا يصح من دون العمل، وهذا مُصرح به من أئمة السلف، وعليه إجماعهم، .......

الثاني: أن الكفر يكون بالقول، والعمل، كما يكون بالاعتقاد والترك، على ما سبق بيانه بأدلته.

فالمخالف في هذا، أو في بعضه، مخالف لأهل السنة، موافق للمرجئة، ولو ادعى غير ذلك.


(١) السنة للخلال (٣/ ٥٨٢) رقم ١٠٠٩
(٢) شرح السنة، للبربهاري، ص (١٢٣).
(٣) ((ملحق الواسطية)) لعلوي بن عبد القادر السقاف، (ص٢٦٥) مطبوع مع ((شرح الواسطية)) للهراس، وانظر: تحذير أهل العلم من الكتب الداعية للإرجاء، في ملاحق البحث.
(٤) ومن المرجئة من قال: (الإيمان يتبعض ويتفاضل أهله) وهذا مذهب أصحاب محمد بن شبيب، انظر: ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ٢١٨)، و ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٥٤٦).
(٥) ((مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه رواية حرب الكرماني)) (ص٣٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>