للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: مقالات المرجئة المعاصرة]

تأكيداً لما سبق من أن البدع تتطور، وتتخذ أشكالا وألوانا جديدة من الانحراف، ورغبةً في تحذير أهل الإيمان، من مقالات المرجئة الذين تلاعب بهم الشيطان، فقد رأيت أن أسرد من مقالاتهم ما هو موجود في هذه الأزمنة، مما جزم أهل العلم بأنه من كلام المرجئة، الذي خالفت به أهل السنة:

١ - الإيمان هو التصديق والإقرار، وهذا مذهب مرجئة الفقهاء، وإليه ذهب جماعة من الماتريدية والأشاعرة، وهو مقرر في كثير من المعاهد والجامعات.

٢ - الإيمان هو التصديق فقط، وقول اللسان شرط لإجراء الأحكام في الدنيا، فمن صدق بقلبه، ولم يأت به- من غير إباء- فهو مؤمن ناج عند الله، وهذا معتمد الأشاعرة والماتريدية، وهو أسوأ من قول مرجئة الفقهاء، كما لا يخفى، بل هو مذهب جهم على التحقيق، إلا أن متأخريهم يثبتون عمل القلب من الإذعان والانقياد، ويجعلونه نفس التصديق، كما سبق.

٣ - الإيمان تصديق بالقلب، وعمل بالقلب، دون الجوارح، وهو قول عامة المرجئة، إلا جهما ومن وافقه، كما بين شيخ الإسلام.

٤ - الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وهو قول المرجئة الأوائل، وبه يقول أكثر الماتريدية اليوم.

٥ - الكفر هو التكذيب، والجحود، وليس شيء من الأقوال أو الأعمال كفرا بذاته، لكن من الأقوال والأعمال ما جعله الشرع علامة على الكفر. وهذا مذهب أبي الحسين الصالحي، وابن الراوندي، وبشر المريسي، وهو قول الأشاعرة والماتريدية، كما سبق (١). وأسوأ منه ما ذهب إليه بعض المعاصرين، من أنه لا يكفر من قال الكفر أو عمله، (لأن أولئك قالوا: بأن الفعل والقول يكون علامة على الكفر، بحيث يحكم عليه بالكفر لفعله أو قوله، في أحكام الدنيا دون أحكام الآخرة، وأما المتأخرون فلم يحكموا عليه بالكفر فيهما، مما يعني إبطال حد الردة. لكن قول هؤلاء المتأخرين أخف من قول المرجئة المتقدمين من وجه آخر، وهو إدخال العمل في مسمى الإيمان المطلق، فإن المرجئة الأوائل لا يدخلون العمل في مسمى الإيمان المطلق، وهؤلاء يدخلونه) (٢).

٦ - الكفر لا يكون إلا في القلب، لكنه لا ينحصر في التكذيب، بل يدخل فيه ما يناقض عمل القلب، كالاستكبار وعدم الخضوع، والاستخفاف والعداوة والبغض، وهذا قول بعض المرجئة، كأتباع يونس السمري، وأبي معاذ التومني (٣).

٧ - الكفر لا يكون إلا بالاعتقاد، ويريدون بالاعتقاد: التكذيب، أو الاستحلال، فيرجع إلى قول الأشاعرة والماتريدية السابق. وهو من مقولات غلاة المتصوفة-أيضا- وينسجم مع قولهم: إن دعاء الأموات والذبح والنذر لهم لا يكون كفرا، إلا مع اعتقاد النفع والضر فيهم، استقلالا!

٨ - الكفر يكون بالقول وبالفعل، لكن لا يكفر المعين إلا إذا اعتقد الكفر، وهذه حيلة ظاهرة على اشتراط الاعتقاد في التكفير، فلا فرق بين هذا وبين قولهم: الكفر لا يكون إلا بالاعتقاد، وهو مذهب المرجئة، كما سبق؛ لأن اعتقاد الكفر كفرٌ في حد ذاته، ولو كان القول أو الفعل كفرا-عند هذا المخالف- لم يحتج إلى وجود مكفِّر آخر، وإلا كان ذكره عبثا، وهو قد جعله شرطا!


(١) انظر: ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ٢١٤، ٢٢٢).
(٢) ((حقيقة الإيمان وبدع الإرجاء في القديم والحديث)) د. سعد بن ناصر الشثري، (ص٢٣).
(٣) ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ٢١٤، ٢٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>