للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي نفس مذمومة جعلها الله في الإنسان، تأمره بكل سوء، وتدعوه إلى المهالك، وتهديه إلى كل قبيح، هذا طبعها، وتلك سجيتها، إلا ما وفقها الله وثبتها وأعانها، فما تخلص أحد من شر نفسه إلا بتوفيق الله، كما قال تعالى حاكيا عن امرأة العزيز: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ [يوسف: ٥٣]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور: ٢١]، وقال تعالى لأكرم خلقه عليه وأحبهم إليه: وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً [الإسراء: ٧٤]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم خطبة الحاجة: ((الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له)) (١) فالشر كامن في النفس وهو يوجب سيئات الأعمال، فإن خلى الله بين العبد وبين نفسه هلك بين شرها وما تقتضيه من سيئات الأعمال، وإن وفقه وأعانه نجاه من ذلك كله (٢).

وقد جعل الله سبحانه للإنسان في مقابلة هذه النفس، نفسا مطمئنة، فإذا أمرته النفس الأمارة بالسوء، نهته عنه النفس المطمئنة، فهو يطيع هذه مرة، وهذه مرة، وهو للغالب عليه منهما (٣).

قال ابن القيم رحمه الله: (وقد ركب الله سبحانه في الإنسان نفسين: نفساً أمارة، ونفساً مطمئنة، وهما متعاديتان، فكل ما خف على هذه ثقل على هذه، وكل ما التذت به هذه تألمت به الأخرى، فليس على النفس الأمارة أشق من العمل لله، وإيثار رضاه على هواها، وليس لها أنفع منه. وليس على النفس المطمئنة أشق من العمل لغير الله وما جاء به داعي الهوى، وليس عليها شيء أضر منه ... والحروب مستمرة لا تضع أوزارها إلا أن يستوفى أجلها من الدنيا) (٤).

فلا أضر على إيمان الشخص ودينه من نفسه الأمارة بالسوء، التي هذا شأنها، وهذا وصفها، فهي سبب رئيس، وعضو فعال في إضعاف الإيمان وزعزعته وتوهينه.

ومن هنا لزم من أراد الحفاظ على إيمانه من النقص والضعف، أن يعنى بمحاسبة هذه النفس ومعاتبتها، وأن يكثر من لومها، حتى يسلم من مغبتها وعواقبها الوخيمة المردية ... زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه لعبد الرزاق البدر-بتصرف- ص٢٣٥

وكذلك أيضا إن من أهم أسباب نقصان الإيمان في قلب العبد هو عدم تعاهد أسباب زيادة الإيمان، وإهمال تقويته، وترك العناية به؛ فكما أن المحافظة على هذه الأسباب سبب في زيادة الإيمان فإهمالها سبب في نقصه. ومن أهم أسباب نقص الإيمان: الجهل بأمور الدين، وعلوم الشرع. الغفلة، والإعراض، والنسيان. فعل المعاصي، وارتكاب الذنوب. طاعة النفس الأمارة بالسوء. الركون إلى الدنيا، وفتنتها، وزينتها. مجالس اللهو، وقرناء السوء. اتباع خطوات الشيطان. إلى غير ذلك من الأسباب. الإيمان حقيقته خوارمه نواقضه عند أهل السنة عبدالله بن عبدالحميد الأثري – ص٤٨


(١) أخرج هذه الخطبة أبو داود (١٠٩٧) والنسائي (٣/ ١٠٥)، وابن ماجه (١٥٣٥)، وأحمد (١/ ٣٩٢) (٣٧٢٠) من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبي داود، وقال النووي في ((الأذكار)) (٣٥٥): إسناده صحيح، وصححه ابن دقيق العيد في ((الإلمام)) (٢/ ٦٢٢) كما اشترط على نفسه في المقدمة، والذهبي في ((المهذب)) (٣/ ١١٤٢)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (٧/ ٥٣٠)، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٣/ ٢٦٤) كما أشار لذلك في المقدمة، وقال العيني في ((العلم الهيب)) (٩٤٦): أسانيده صحيحة، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)). وراجع رسالته ((خطبة الحاجة)) فقد جمع فيها طرق وألفاظ هذه الخطبة.
(٢) ((الروح لابن القيم)) (٢٢٦).
(٣) ((الوابل الصيب)) (٢٧).
(٤) ((الجواب الكافي)) (١٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>