للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: الإيمان المستحب، أو الإيمان الكامل بالمستحبات]

الإيمان المستحب: وهو إيمان السابق بالخيرات وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر: ٣٢] الزائد على الإيمان الواجب بفعل المندوبات والمستحبات وترك المكروهات والمشتبهات والسابق إلى فعل الخيرات والاجتهاد في الطاعات والقربات والترقي في مقامات الإحسان فهو دائم المراقبة لله والمشاهدة لآلائه وعظمته وجلاله سبحانه وتعالى يعبد الله كأنما يرى الله سبحانه وتعالى خوفا وتعظيما ومهابة وتوكلا عليه وإخلاصا له مع كمال الحب والذل والخضوع والإنابة والمسكنة. وهذا إيمان الصديقين والمقربين الأبرار فازوا بالمراتب العلية والمقامات السامية برفقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (وأما السابقون المقربون فنستغفر الله الذي لا إله إلا هو أولا من وصف حالهم وعدم الاتصاف به، بل ما شممنا له رائحة. ولكن محبة القوم تحمل على تعرف منزلتهم والعلم بها وإن كانت النفوس متخلفة منقطعة عن اللحاق بهم) (١).

وأصحاب هذه المرتبة يستحقون دخول الجنة ابتداء في أعلى الدرجات بفضل الله وتوفيقه والنقص في هذه المرتبة لا يترتب عليه فسق أو وعيد بعقاب أو نفي لكمال الإيمان الواجب ولكن صاحبه يفوته علو الدرجة وسمو المنزلة عند الله تعالى كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وهو مركب – أي الإيمان – من أصل لا يتم بدونه، ومن واجب ينقص بفواته نقصا يستحق صاحبه العقوبة، ومن مستحب يفوت بفواته علو الدرجة) (٢).

وفي ختام التعريف بالمراتب الثلاث تجدر الإشارة إلى تنبيهين مهمين:

التنبيه الأول: كان الأولى لشيخ الإسلام أن يقول في تعريف أصل الإيمان (وهو مركب بأصل لا يوجد بدونه) بدل قوله: (ومن أصل لا يتم بدونه) لأن الإيمان لا يتم بأصل الإيمان وليس هذا مقصود شيخ الإسلام رحمه الله، لأنه بين في أكثر من موضع أن الإيمان التام هو فعل جميع المأمورات وترك جميع المنهيات وذكر أيضا أن الإيمان إذا أطلق والمقصود به الإيمان الكامل، هو جميع ما أمر الله به من الواجبات والمستحبات وما نهى عنه من المحرمات والمكروهات فقال رحمه الله: (وهو جميع ما أمر الله به، فهذا هو الإيمان الكامل التام) (٣) فالإيمان الكامل التام لا يتم إلا بمجموع مراتبه الثلاث .. قواعد في بيان حقيقة الإيمان عند أهل السنة والجماعة لعادل الشيخاني-ص: ٤٠٢


(١) ((طريق الهجرتين وباب السعادتين)) (ص: ٣٤٥) للإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية. ضبط نصه وخرج أحاديثه وعلق عليه عمر بن محمود أبو عمر دار ابن القيم/الدمام/ط١/ ١٤٠٩هـ.
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٧/ ٦٣٧).
(٣) ((مجموع الفتاوى)) (١٦/ ٢٩٣) وانظر ((الإيمان)) (ص: ٢٢) فما بعدها لتعلم أن مقصود شيخ الإسلام بالتام الصحيح النافع وبغير التام الفاسد فتأمل؟!.

<<  <  ج: ص:  >  >>