للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: حكم أهل الكبائر (الفاسق الملي) عند أهل السنة]

تواترت النصوص الدالة على عدم كفر مرتكب الكبيرة، وعدم خلوده في النار إن دخلها، ما لم يستحل، وهذا من الأصول الاعتقادية المجمع عليها بين أهل السنة، وسنبحث في هذه الفقرة ما يلي:

أدلة أهل السنة على حكم مرتكب الكبيرة، (الحكم الدنيوي والأخروي)

نصوص قد يظن أنها تخالف ما سبق، وإيضاح معناها.

نصوص عامة لعلماء أهل السنة تبين الخلاصة في الحكم على أهل الكبائر.

أولا: أدلة أهل السنة على حكم مرتكب الكبيرة (الحكم الدنيوي والأخروي):

استدل أهل السنة لذلك بأدلة كثيرة جداً، ونحن سنذكر هنا ما يمكن أن يسمى (أدلة كلية) وكل دليل يندرج تحته عدد من الأدلة التفصيلية

الدليل الأول: نصوص تدل على أن من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، وعلى أن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ومنها:

قوله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء: ٤٨] (فحكم بأن الشرك غير مغفور للمشرك، يعني إذا مات غير تائب منه لقوله: قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم ما قَدْ سَلَفَ [الأنفال: ٣٨] مع آيات غير هذه تدل على أن التائب من الشرك مغفور له شركه، فثبت بذلك أن الشرك الذي أخبر الله أنه لا يغفر: هو الشرك الذي لم يتب منه، وأن التائب مغفور له شركه، وأخبر أنه يغفر: ما دون الشرك لمن يشاء، يعني لمن أتى ما دون الشرك، فلقي الله غير تائب منه، لأنه لو أراد أن يغفر ما دون الشرك للتائب، دون من لم يتب لكان قد سوى بين الشرك، وما دونه، ولو كان كذلك لم يكن لفصله بين الشرك وما دونه معنى، ففصله بينهما دليل على أن الشرك لا يغفره لو مات وهو غير تائب منه، وأن يغفر ما دون ذلك الشرك لمن يشاء ممن مات وهو غير تائب، ولا جائز أن يغفر له، ويدخله الجنة إلا وهو مؤمن) (١) (٢).

قوله صلى الله عليه وسلم في رواية أبي هريرة: (( ... أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة)) (٣)

وحديث معاذ المشهور وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: ((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً)) (٤)

٤ - وروى مسلم من حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (( .. ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئاً لقيته بقرابها مغفرة)) (٥).

قال الإمام ابن رجب (فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض، وهو ملؤها أو ما يقارب خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة، لكن هذا مع مشيئة الله عز وجل، فإن شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار بل يخرج منها ثم يدخل الجنة) (٦).

الدليل الثاني: نصوص فيها التصريح بعدم دخول الموحد النار أو خلوده فيها - إن دخل - مع تصريحها بارتكابه الكبائر ومنها:

١ - حديث أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أتاني جبريل عليه السلام فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة قلت: وإن زنى وإن سرق قال: وإن زنى وإن سرق)) (٧).


(١) أي: معه أصل الإيمان.
(٢) ((تعظيم قدر الصلاة)) للمروزي (٢/ ٦١٧).
(٣) رواه مسلم (٢٧). من حديث أبي هريرة رضي الله عنهه.
(٤) رواه البخاري (٢٨٥٦)، ومسلم (٣٠). من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.
(٥) رواه مسلم (٢٦٨٧).
(٦) ((جامع العلوم والحكم)) (ص٣٧٤)، وانظر أحاديث أخرى في الموضوع: ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (١/ ٢١٧ - ٢٤٤)، و ((فتح المجيد)) (٣٩ - ٦٤).
(٧) رواه البخاري (١٢٣٧)، ومسلم (٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>