للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الخامس: حكم أهل الفترة]

قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله – في تعريف الفترة: (هي ما بين كل نبيين كانقطاع الرسالة بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم) (١).

وقال الألوسي في تفسيره: (أجمع المفسرون بأن الفترة هي انقطاع ما بين رسولين) (٢) وأهل الفترة: (هم الأمم الكائنة بين أزمنة الرسل الذين لم يرسل إليهم الأول، ولا أدركوا الثاني كالأعراب الذين لم يرسل إليهم عيسى ولا لحقوا النبي صلى الله عليه وسلم .. ) (٣) ثم صار يطلق عند كثير من العلماء على كل من لم تبلغهم الدعوة، بما فيهم أطفال المشركين (٤).

ومن باب الاختصار سأكتفي بعرض لأهم الأقوال ثم بيان القول الراجح في هذه المسألة ...

أقوال العلماء في المسألة:

اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال كثيرة ومن أشهرها:

الأول: أن من مات ولم تبلغه الدعوة مات ناجياً، قال السيوطي – رحمه الله-: (وقد أطبقت أئمتنا الأشاعرة من أهل الكلام والأصول، والشافعية من الفقهاء على أن من مات ولم تبلغه الدعوة يموت ناجياً) (٥) ونص بعض الأئمة على دخول أطفال المشركين الجنة- دون غيرهم من أهل الفترة – كالإمام ابن حزم حين قال: (وذهب جمهور الناس إلى أنهم في الجنة وبه نقول) (٦). والنووي (٧)، والحافظ ابن حجر العسقلاني وذكر أنه ترجيح البخاري (٨)، والإمام القرطبي (٩) والإمام ابن الجوزي (١٠).

الثاني: أن من مات ولم تبلغه الدعوة فهو في النار، قال الإمام ابن القيم – رحمه الله- (وهو قول جماعة من المتكلمين، وأهل التفسير، وأحد الوجهين لأصحاب أحمد وحكاه القاضي نصا عن أحمد، وغلطه شيخنا.) (١١) كما هو قول جماعة من أصحاب أبي حنيفة (١٢).

الثالث: الوقف في أمرهم، وقد يعبر عنه بأنهم تحت المشيئة (١٣) (وهو منقول عن الحمادين وابن المبارك وإسحاق بن راهويه، وقال ابن عبد البر: وهو مقتضى صنيع مالك وليس عنده في المسألة شيء منصوص، إلا أن أصحابه صرحوا بأن أطفال المسلمين في الجنة، وأطفال الكفار خاصة في المشيئة) (١٤).


(١) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير ٢/ ٣٥.
(٢) ((روح المعاني)) (٦/ ١٠٣)، وانظر: ((تفسير الطبري)) (١٠/ ١٥٦)، ((جمع الجوامع)) للسبكي (١/ ٦٣).
(٣) ((الحاوي للفتاوي)) للسيوطي (٢/ ٢٠٩)، والتعريف المذكور لأبي عبد الله الأبي في شرحه لمسلم.
(٤) بعض أهل العلم يفرق بين حكم أطفال المشركين وغيرهم ممن لم تبلغهم الدعوة لورود أدلة خاصة بهم.
(٥) ((الحاوي للفتاوي)) للسيوطي (٢/ ٢٠٢).
(٦) ((الفصل)) لابن حزم (٤/ ٧٣)، وفيه أشار إلى أن هذا الحكم لا يشمل البالغين (٤/ ٧٤).
(٧) انظر: (شرح صحيح مسلم) للنووي (١٦/ ٢٠٨). وقد نص على أن من لم يؤمن من أهل الفترة فهو في النار، انظر: (٣/ ٧٩) منه.
(٨) انظر: ((فتح الباري)) (٣/ ٢٤٦).
(٩) انظر: (التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة)) للقرطبي (ص٦١٢).
(١٠) انظر: ((مجموع الفتاوى)) لشيخ الإسلام ابن تيمية (٢٤/ ٣٧٢)، و ((العواصم والقواصم)) لابن الوزير (٧/ ٢٤٨).
(١١) ((أحكام أهل الذمة)) لابن قيم الجوزية (٢/ ٦٢٣)، وانظر: ((طريق الهجرتين)) لابن قيم الجوزية (ص٣٦٢)، وانظر: كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (٢٤/ ٣٧٢).
(١٢) انظر: ((الجواب الصحيح)) (١/ ٣١١)، ((جمع الجوامع)) للسبكي (١/ ٦٢).
(١٣) انظر: ((أحكام أهل الذمة)) لابن قيم الجوزية (٢/ ٦١٩).
(١٤) ((فتح الباري)) (٣/ ٢٤٦)، و ((التمهيد)) لابن عبد البر (١٨/ ١١١، ١١٢)، وانظر: ((أهل الفترة ومن في حكمهم)) لموفق شكري (ص٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>