للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الرابع: عدم التكفير بكل ذنب]

من الأصول المجمع عليها عند أهل السنة: أنهم لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب- ما لم يستحله، ويقصدون بالذنب - الذي لا يكفر صاحبه- فعل الكبائر أو الصغائر أو ترك الواجبات، خلافاً للوعيدية، الذين يكفرون أهل الكبائر، وبعضهم يكفر أهل الصغائر، لكن قد يفهم البعض من عبارات السلف في ذلك أنهم لا يكفرون بكل ذنب، مطلقاً، فدفعاً لهذا اللبس (امتنع كثير من الأئمة عن إطلاق القول بأنا لا نكفر أحداً بذنب، بل يقال: لا نكفرهم بكل ذنب، كما تفعله الخوارج وفرق بين النفي العام، ونفي العموم .. ) (١).

فالنفي العام قد يفهم منه عدم تكفير المعين مطلقاً مهما عمل من الذنوب، ولو عمل النواقض. أما نفي العموم، فيفهم منه أنهم يكفرون ببعض الذنوب، ولا يكفرون ببعضها فمن الذنوب التي يكفر مرتكبها نواقض الإسلام الكبرى المعلومة، ومن ذلك – أيضاً – الخلاف المشهور عند أهل السنة في التكفير بترك الأركان وخاصة الصلاة، أما الذنوب التي لا يكفرون بها ففعل الكبائر وترك الواجبات ما لم يستحل الكبائر، أو ينكر الواجبات نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي – ١/ ٢٢٢١

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (العقيدة الواسطية): وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر كما يفعله الخوارج؛ بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي كما قال سبحانه وتعالى في آية القصاص: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: ١٧٨]، وقال: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين [الحجرات:٩] , إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:١٠]

قال الشيخ خليل الهراس-رحمه الله- في شرح كلام شيخ الإسلام المتقدم:

ومع أن الإيمان المطلق مركَّب من الأقوال والأعمال والاعتقادات؛ فهي ليست كلها بدرجة واحدة؛ بل العقائد أصلٌ في الإيمان، فمَن أنكر شيئًا مما يجب اعتقاده في الله أو ملائكته أو كتبه أو رسله أو اليوم الآخر أو مما هو معلومٌ من الدين بالضرورة؛ كوجوب الصلاة، والزكاة، وحرمة الزنا والقتل إلخ؛ فهو كافرٌ، قد خرج من الإيمان بهذا الإنكار. شرح العقيدة الواسطية للهراس – ص: ٢٣٣

وقال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله-في شرحه لكلام ابن تيمية المتقدم: فالمسلم عند أهل السنة والجماعة لا يكفر بمطلق المعاصي والكبائر (٢).

والفرق بين الشيء المطلق ومطلق الشيء: أن الشيء المطلق يعني الكمال، ومطلق الشيء؛ يعني: أصل الشيء.

فالمؤمن الفاعل للكبيرة عنده مطلق الإيمان؛ فأصل الإيمان موجود عنده لكن كماله مفقود.

فكلام المؤلف رحمه الله دقيق جداً.

آية القصاص هي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:١٧٨] والمراد ب (أخيه) هو المقتول.


(١) ((شرح الطحاوية)) (ص: ٣٥٦).
(٢) وتأمل قول المؤلف: (بمطلق المعاصي)، ولم يقل: بالمعاصي والكبائر؛ لأن المعاصي منها ما يكون كفراً، وأما مطلق المعصية؛ فلا يكون كفراً

<<  <  ج: ص:  >  >>