للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: تعريف الخطأ لغة واصطلاحا]

(الخطأ والخطاء: ضد الصواب، قال تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ [الأحزاب:٥] عداه بالباء لأنه في معنى عثرتم أو غلطتم، وأخطأ الطريق، عدل عنه، وأخطأ الرامي الغرض: لم يصبه .. والخطأ: ما لم يتعمد، والخطأ: ما تعمد، وقال الأموي: المخطئ: من أراد الصواب فصار إلى غيره، والخاطئ: من تعمد ما لا ينبغي، والخطيئة الذنب على عمد، والخطأ: الذنب في قوله تعالى: إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا [الإسراء:٣١] أي إثماً، وقال تعالى: فيما حكاه عن أخوة يوسف: إِنا كُنا خَاطِئِينَ [يوسف:٩٧] آي آثمين .. ) (١)، وقال الراغب في (المفردات): (الخطأ: العدول عن الجهة) ثم ذكر بعض صور الخطأ ومنها: (أن يريد ما يحسن فعله، ولكن يقع منه خلاف ما يريد فيقال أخطأ فهو خطيء، وهذا قد أصاب في الإرادة وأخطأ في الفعل، وهذا المعنى بقوله – صلى الله عليه وسلم- ((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان)) (٢)، وبقوله: ((من اجتهد فأخطأ فله أجر)) (٣)، وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [النساء:٩٢] إلى أن يقول (وجملة الأمر أن من أراد شيئاً فاتفق منه غيره يقال: أخطأ، وإن وقع منه كما أراده يقال: أصاب، وقد يقال: لمن فعل فعلا لا يحسن أو أراد إرادة لا تجمل إنه أخطأ) (٤).

والخلاصة أن معنى الخطأ في اللغة: أن يريد ويقصد أمراً، فيقع في غير ما يريد، أما الخطء: فهو الإثم أو الذنب المتعمد والله أعلم.

أما معنى الخطأ في الاصطلاح: فهو قريب من المعنى اللغوي، قال الحافظ ابن رحب- رحمه الله -: (الخطأ: هو أن يقصد بفعله شيئاً فيصادف فعله غير ما قصده، مثل أن يقصد قتل كافر فصادف قتله مسلماً) (٥)، أو يظن أن الحق في جهته، فيصادف غير ذلك (٦)، وقال الجرجاني: (الخطأ وهو ما ليس للإنسان فيه قصد .. كما إذا رمى شخصاً ظنه صيداً أو حربيا فإذا هو مسلم .. ) (٧)، وهناك تعريفات أخرى (٨) قريبة مما ذكر وحاصلها أن الخطأ في الاصطلاح: (كل ما يصدر عن المكلف من قول أو فعل خال عن إرادته وغير مقترن بقصد منه) (٩). نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي– ١/ ٣٠٢


(١) ((لسان العرب)) (١/ ٦٥ - ٦٨) وانظر ((مختار الصحاح)) (ص: ١٧٩، ١٨٠) و ((النهاية في غريب الحديث)) (٢/ ٤٤،٤٥) ((المعجم الوسيط)) (١/ ٢٣٢).
(٢) الحديث بهذا اللفظ ذكره ابن السبكي في ((طبقات الشافعية الكبرى)) (٢/ ١٨٦) وقال: وقفت على كتاب ((اختلاف الفقهاء)) للإمام محمد نصر قال: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رفع الله عن هذه الأمة الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه). إلا أنه ليس له إسناد يحتج بمثله. ا. هـ.: ثم قال: استفدت من هذا أن لهذا اللفظ إسنادا ولكنه لم يثبت ثم قال: قلت: ثم وجد رفيقنا في طلب الحديث شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي الحديث بلفظه في رواية أبي القاسم الفضل بن جعفر بن محمد التميمي المؤذن المعروف بأخي عاصم فإنه قال: حدثنا الحسين بن محمد حدثنا محمد بن المصفى حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ. والنسيان. وما استكرهوا عليه) لكن ابن ماجه روى في (سننه) الحديث بهذا الإسناد بلفظ غيره. اهـ. ثم ذكر إسناد ابن ماجه. وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (ص: ٨٢): منكر. ولفظ حديث ابن ماجه هو: (إن الله وضع .. ). رواه ابن ماجه (٢٠٤٥)، والحاكم (٢/ ١٩٨)، والبيهقي (٧/ ٣٥٦) بلفظ: (تجاوز لي). من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال البيهقي: جوّد إسناده بشر بن بكر وهو ثقة. والحديث صحح إسناده عبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (ص: ٩٩) -كما أشار لذلك في مقدمته -. وحسنه النووي في ((الأربعين النووية)) (ص: ٣٩)، وقال ابن كثير في ((تحفة الطالب)) (ص: ٢٣٢): إسناده جيد. وحسنه ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (١/ ٢٨١). وقال الشوكاني في ((فتح القدير)) (١/ ٤٦١): لا تقصر عن رتبة الحسن لغيره. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(٣) رواه البخاري (٧٣٥٢)، ومسلم (١٧١٦). من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.
(٤) ((المفردات)): (١٥١)، وانظر كلاماً مفصلاً حول معنى الخطأ في الكتاب والسنة وكلام السلف: ((مجموع الفتاوى)) (٢٠/ ١٩ - ٢٤).
(٥) ((جامع العلوم والحكم)) (ص: ٣٥٢).
(٦) انظر ((فتح الباري)) (١٣/ ٣١٩)
(٧) ((التعريفات)) (ص: ١٠٤).
(٨) انظر بعضها في ((عوارض الأهلية عند الأصوليين)) د. حسين الجبوري (ص: ٣٩٥ - ٣٩٦).
(٩) ((عوارض الأهلية عند الأصوليين)) (ص: ٣٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>