للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المسألة الثانية: وجوب توقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم والأدلة على ذلك]

إن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، وإجلاله، وتوقيره، شعبة عظيمة من شعب الإيمان، وهذه الشعبة غير شعبة المحبة (١) بل إن منزلتها ورتبتها فوق منزلة ورتبة المحبة. ذلك لأنه ليس كل محب معظماً، ألا ترى أن الوالد يحب ولده ولكن حبه إياه يدعوه إلى تكريمه ولا يدعوه إلى تعظيمه.

والولد يحب والده فيجمع له بين التكريم والتعظيم. والسيد قد يحب مماليكه, ولكنه لا يعظمهم. والمماليك يحبون ساداتهم ويعظمونهم.

فعلمنا بذلك أن التعظيم رتبته فوق رتبة المحبة (٢).

فمن حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته أن يهاب ويعظم ويوقر ويجل أكثر من كل ولد لوالده, ومن كل عبد لسيده، فهذا حق من حقوقه الواجبة له مما يزيد على لوازم الرسالة, وهو ما أمر الله به في كتابه العزيز قال تعالى: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح: ٩].

وقال تعالى: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: ١٥٧].

فأبان أن حق الرسول صلى الله عليه وسلم في أمته أن يكون معزراً موقراً مهيباً. وأخبر سبحانه أن الفلاح إنما يكون لمن جمع بين الإيمان به وتعزيره, ولا خلاف في أن التعزير هاهنا التعظيم (٣).

وفي الجمع الحاصل في الآيتين بين الإيمان به وتعظيمه، تنبيه وإرشاد إلى أن القيام بحقوقه صلى الله عليه وسلم يعد من الإيمان الواجب الذي لا يتم إيمان العبد إلا به. قال الحليمي: (فمعلوم أن حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل, وأعظم, وأكرم, وألزم لنا, وأوجب علينا من حقوق السادات على مماليكهم, والآباء على أولادهم, لأن الله تعالى أنقذنا به من النار في الآخرة، وعصم به لنا أرواحنا, وأبداننا, وأعراضنا, وأموالنا, وأهلينا, وأولادنا في العاجلة، فهدانا به لما إذا أطعناه فيه أدانا إلى جنات النعيم. فأية نعمة توازي هذه النعم, وأية منة تداني هذه المنن. ثم إنه جل ثناؤه ألزمنا طاعته، وتوعدنا على معصيته بالنار. ووعدنا باتباعه الجنة. فأي رتبة تضاهي هذه الرتبة، وأي درجة تساوي في العلا هذه الدرجة. فحق علينا أن نحبه, ونجله, ونعظمه, ونهابه أكثر من إجلال كل عبد سيده, وكل ولد والده. وبمثل هذا نطق القرآن, ووردت أوامر الله جل ثناؤه) (٤).

ففي القرآن الكريم آيات كثيرة جاء فيها التأكيد على هذا الحق من حقوقه صلى الله عليه وسلم وبخاصة في جوانب معينة من جوانب تعظيمه ومن تلك الآيات ما يلي:

١ - قوله تعالى: لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور: ٦٣] (ففي هذه الآية نهي من الله أن يدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلظ وجفاء، وأمر لهم أن يدعوه بلين وتواضع) (٥).

وروى الطبري بسنده عن مجاهد في تفسيرها فقال: (أمرهم أن يدعوه يا رسول الله في لين وتواضع، ولا يقولوا: يا محمد، في تجهم) (٦).

وعن قتادة قال: (أمرهم أن يفخموه ويشرفوه) (٧).


(١) انظر ((المنهاج في شعب الإيمان)) للحليمي (٢/ ١٢٤) الشعبة الخامسة عشرة. وكذلك ((الجامع في شعب الإيمان)) للبيهقي (١/ ٣٠٠) الشعبة الخامسة عشرة.
(٢) ((المنهاج في شعب الإيمان)) للحليمي (٢/ ١٢٤).
(٣) ((المنهاج في شعب الإيمان)) (٢/ ١٢٥) بتصرف.
(٤) ((المنهاج في شعب الإيمان)) (١٢٤ - ١٢٥) و ((الجامع لشعب الإيمان)) (٣٠٢ - ٣٠٣).
(٥) ((تفسير الطبري)) (١٨/ ١٧٧).
(٦) ((تفسير الطبري)) (١٨/ ١٧٧).
(٧) ((تفسير الطبري)) (١٨/ ١٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>