للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الرابع: بغض أو كراهية بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم]

البغض والكراهة ضد المحبة، والمحبة شرط من شروط لا إله إلا الله (وأصل كل فعل وحركة في العالم من الحب والإرادة، فهو أصل كل فعل ومبدؤه، كما أن البغض والكراهة مانع وصاد لكل ما انعقد بسببه ومادته، فهو أصل كل ترك) (١)، والمحبة المقصودة ... إخلاص المحبة لله عز وجل، فلا يكون له شريك في الحب، ومحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تستلزم محبة أوامره وفعلها، وبغض وكراهية ما نهى عنه وتركه، ومحبة أوليائه، وضد ذلك كراهية وبغض أوامره أو بعضها، ومحبة معاصيه، وبغض أوليائه ومحبة أعدائه.

وكراهية الحق من صفات الكافرين، قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد: ٩]، كرهوا ما أنزل الله من القرآن، فلم يقبلوه، بل أبغضوه (٢).

وقال سبحانه: بَلْ جَاءَهُمْ بِالحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ [المؤمنون: ٧٠]، وقد وصف سبحانه المنافقين بهذه الصفة كما في قوله تعالى: وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة: ٥٤]، وقال سبحانه: فَرِحَ المُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ... [التوبة: ٨١].

فقد كرهوا الجهاد بسبب ما في قلوبهم من النفاق (٣)، ولذلك ذكر الأئمة ..... بغض أو كراهية ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعضه، ضمن أقسام النفاق الأكبر.

والبغض والكراهة ينافيان عمل القلب من وجهين:

الأوَّل: أن فيه إخلالاً بشرط المحبة والتعظيم لله عز وجل، ومحبة أوامره، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم.

الثاني: أنَّ فيه تركاً للقبول والانقياد والتسليم لأن ذلك مقتضى المحبة، ولذلك كفّر العلماء من اتصف بهذه الصفة، (لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون، لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه، ويقول: أنا لا أقر بذلك ولا ألتزمه، وأبغض هذا الحق وأنفر عنه، ... وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع ... ) (٤)، وجاء في شرح الإقناع: (قوله: أو كان مبغضاً لما جاء به الرسول، ولم يشرك بالله، لكن أبغض السؤال عنه ودعوة الناس إليه، كما هو حال من يدعي العلم ويقرر أنه دين الله ورسوله ويبغضونه أكثر من بغض دين اليهود والنصارى، بل يعادون من التفت إليه، ويحلون دمه وماله، ويرمونه عند الحاكم ... ) إلى أن يقول: (والتكفير بالاتفاق فيمن أبغض النهي عنه، وأبغض الأمر بمعاداة أهله، ولو لم يتكلم وينصر، فكيف إذا فعل ما فعل ... ) (٥).


(١) ((قاعدة في المحبة)) (ص: ٧).
(٢) انظر ((تفسير السعدي)) (٧/ ٦٧).
(٣) انظر: ((فتح القدير)) (٢/ ٣٨٨).
(٤) ((الصارم المسلول)) (ص: ٥٢٤)، وانظر ((مجموع الفتاوى)) (١٤/ ١٠٨)، و ((قاعدة في الحبة)) (ص: ١٩٣).
(٥) ((مجموعة الشيخ القسم الثالث)) (ص: ٦٢)، وانظر ((الكلمات النافعة)) (ص: ٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>