للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: مظاهرة المشركين على المسلمين]

والمقصود بمظاهرة المشركين على المسلمين أن يكون أولئك أنصاراً وظهوراً وأعواناً للكفار ضد المسلمين، فينضمون إليهم، ويذبّون عنهم بالمال والسنان والبيان، فهذا كفر يناقض الإيمان (١).

وهذا ما يسميه بعض العلماء بـ (التولي) ويجعلونه أخص من عموم الموالاة، كما هو عند بعض أئمة الدعوة السلفية في نجد (٢) مع أن جمهوراً من المفسرين يفسرون التولي بالموالاة، فعلى سبيل المثال نذكر ما يلي:

يقول ابن عطية عند تفسيره لقوله تعالى: وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [التوبة: ٢٣]: أي: والاهم واتبعهم في أغراضهم (٣).

ويقول ابن كثير عند تفسيره لقوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ .. [الممتحنة:١٣]: ينهى تبارك وتعالى عن موالاة الكافرين في آخر هذه السورة، كما نهى عنها في أولها فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا .. فكيف توالونهم وتتخذونهم أصدقاء وأخلاء؟ (٤).

ويقول البيضاوي عند تفسيره لقوله سبحانه: وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:٥١]: أي: من والاهم منكم، فإنه في جملتهم، وهذا للتشديد في وجوب مجانبتهم (٥).

وما يؤكد أن التولي يكون بمعنى الموالاة، ما جاء في لغة العرب، فإن التولي والموالاة من مادة واحدة وهي: ولي بمعنى قرب، والولي: الناصر ضد العدو (٦).

ولذا فإن شيخ المفسرين ابن جرير رحمه الله تعالى - في عدة مواضع من تفسيره - يفسر معنى اتخاذ الكفار أولياء بمعنى جعلهم أنصاراً (٧)، وهو بمعنى توليهم.

وإذا كان التولي بمعنى الموالاة، فكما أن موالاة الكفار ذات شعب متفاوتة، منها ما يخرج من الملة كالموالاة المطلقة لهم، ومنها ما دون ذلك ... فإنّ تولي الكفار مثل موالاتهم، فهناك التولي المطلق التام الذي يناقض الإيمان بالكلية، وهناك مراتب دون ذلك (٨).

ولذا يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي عند (تفسيره) لقوله تعالى: وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الممتحنة:٩]: وذلك الظلم يكون بحسب التولي، فإن كان تولياً تاماً، كان ذلك كفراً مخرجاً عن دائرة الإسلام، وتحت ذلك من المراتب، ما هو غليظ وما هو دونه (٩).

ويقول عند تفسيره لقوله تعالى: وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:٥١]: إن التولي التام يوجب الانتقال إلى دينهم، والتولي القليل يدعو إلى الكثير، ثم يتدرج شيئاً فشيئاً حتى يكون العبد منهم (١٠).


(١) انظر: ((تفسير الطبري)) (٣/ ١٤٠)، و ((مجموعة التوحيد)) (ص٣٨)، و ((الدرر السنية)) (٧/ ٢٠١)، و ((فتاوى ابن باز)) (١/ ٢٧٢).
(٢) انظر: ((الدرر السنية)) (٧/ ٢٠١)، و ((عقود الجواهر المنضدة)) لابن سحمان (ص١٤٦).
(٣) ((تفسير ابن عطية)) (٨/ ١٥٢).
(٤) ((تفسير ابن كثير)) (٤/ ٣٥٦).
(٥) ((تفسير البيضاوي)) (١/ ٢٧٩)، وانظر: (٢/ ٤٦٢)، و ((تفسير الألوسي)) (٢٨/ ٣٢)، و ((تفسير الشوكاني)) (٥/ ١٩٢)، ((وتفسير القاسمي)) (٦/ ٣٣١).
(٦) انظر: ((معجم مقاييس اللغة)) لابن فارس (٦/ ١٤١)، و ((ترتيب القاموس المحيط)) (٤/ ٦٥٨)، و ((المصباح المنير)) (ص٨٤١)، و ((مفردات الراغب)) (ص٨٣٧)، و ((مختار الصحاح)) للرازي (ص٧٣٦)، و ((نزهة الأعين النواظر)) لابن الجوزي (٢/ ٢٠٨).
(٧) انظر: ((تفسير الطبري)) (٥/ ١٩٥)، (٦/ ١٥٩، ١٦٦, ١٨٢)، (٢٨/ ٣٤).
(٨) انظر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (٤/ ١٩)، و ((مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)) (٣/ ٧).
(٩) ((تفسير السعدي)) (٧/ ٣٥٧).
(١٠) ((تفسير السعدي)) (٢/ ٣٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>