للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تمهيد:]

سنتحدث عن السحر وما يلحق به؛ لأنه يضاد الإيمان وينافيه، وهو محل خلاف بين أهل العلم هل يعد كفراً أم لا؟

ومما يؤكد أهمية هذا الموضوع وجود ظاهرة السحر بأنواعه المختلفة في غالب الأمم، كما دل ذلك قوله تعالى: - كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [الذاريات:٥٢].

ولذا يقول ابن تيمية: (اسم الساحر معروف في جميع الأمم ... ) (١).

فقد وجد السحر عند أهل فارس، وعند قدماء المصريين، وكذا في الهند، وبلاد اليونان، كما أن اليهود لما انحرفوا فأعرضوا عن كتاب الله تعالى ... أقبلوا على السحر، واتبعوا ما تتلو الشياطين كما قال سبحانه: -

وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ .... [البقرة:١٠١ - ١٠٢].

يقول الشيخ السعدي – رحمه الله -: (لما كان من العوائد القدسية والحكمة الإلهية أن من ترك ما ينفعه وأمكنه الانتفاع به ولم ينتفع، ابتلي بالاشتغال بما يضره، فمن ترك عبادة الرحمن، ابتلي بعبادة الأوثان، ومن ترك محبة الله وخوفه ورجاه، ابتلي بمحبة غير الله وخوفه ورجائه، ومن لم ينفق ماله في طاعة الله أنفقه في طاعة الشيطان ومن ترك الذل لربه، ابتلي بالذل للعبيد، ومن ترك الحق ابتلي بالباطل.

كذلك هؤلاء اليهود لما نبذوا كتاب الله اتبعوا ما تتلو الشياطين وتختلق من السحر ... ) (٢).

وبالفعل هؤلاء اليهود لما نبذوا كتاب الله تعالى، وانحرفوا عن عبادة الله وحده، عوقبوا بعبادة الشيطان عن طريق السحر، فتعرضوا للخذلان والحرمان، وأنواع الضنك والشقاء في الدنيا والآخرة، وقد أشار إلى ذلك ابن تيمية بقوله:-

" إن الكثيرين من أرباب السحر ممن يدخل في الباطل الخفي الدقيق، ويحتاج إلى أعمال عظيمة، وأفكار عميقة، وأنواع من العبادات والزهادات والرياضات، ومفارقة الشهوات والعادات، ثم آخر أمرهم الشك بالرحمن، وعبادة الطاغوت والشيطان، والفساد في الأرض، والقليل منهم من ينال غرضه، الذي لا يزيده من الله إلا بعداً، وغالبهم محروم مأثوم، يتمنى الكفر والفسوق والعصيان، وهو لا يحصل إلا على نقل الأكاذيب وتمنى الطغيان، سماعون للكذب، أكالون للسحت، عليهم ذلة المفترين. (٣)

وفي هذا العصر، عصر التقدم المادي ... تزداد ظاهرة السحر نفوذاً وانتشاراً، فأكثر شعوب العالم تقدماً مادياً تجري فيها طقوس السحر على نطاق واسع وبطرق متنوعة كأمريكا وفرنسا وألمانيا، بل إن السحر قد واكب هذا التطور المادي، فأقيمت الجمعيات والمعاهد لتعليم السحر سواء عن طريق الانتظام، أو الانتساب، كما نظمت المؤتمرات والندوات في هذا المجال.

إضافة إلى ذلك فإن بلاد المسلمين – عموماً – تنتشر فيها مظاهر السحر وأنواعه بسبب ضعف الإيمان بالله تعالى، وظهور الجهل بأحكام الشريعة، وسذاجة الكثير من المسلمين وجهلهم بحل هؤلاء السحرة المشعوذين، وتعطيل أحكام الله تعالى في هؤلاء السحرة (٤)

٢ - السحر في لغة العرب هو كل ما لطف مأخذه ودق، وأصل السحر: صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره، وسحره بمعنى خدعه، وسحره بكلامه: استماله برقته، وحسن تركيبه (٥).

وأما تعريفه اصطلاحاً فإن السحر ليس نوعاً واحداً يمكن حده بحد يميزه عن غيره وقد أشار الشافعي رحمه الله إلى ذلك بقوله: (والسحر اسم جامع لمعان مختلفة) (٦). نواقض الإيمان القولية والعملية لعبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف- بتصرف – ص: ٤٩٩


(١) [١٠٦٨٥])) ((النبوات)) (ص ٢٧٢)، وانظر ((تأويل مختلف الحديث)) لابن قتيبة (ص ٢١٠) محمد الأصفر.
(٢) [١٠٦٨٦])) ((تفسير السعدي)) (١/ ١١٨).
(٣) [١٠٦٨٧])) ((درء تعارض العقل والنقل)) (٥/ ٦٢، ٦٣) باختصار يسير، وانظر ((مجموع الفتاوى)) (٢٩/ ٣٨٤ - ٣٨٥).
(٤) [١٠٦٨٨])) انظر لمعرفة أحوال السحرة في هذا العصر ((عالم السحر والشعوذة)) لعمر الأشقر (ص ٥٥ –٦٨)، و ((تكملة المجموع)) لمحمد المطيعي (٢١/ ٩٠، ٩١) و ((السحر والمجتمع)) لسامية الساعاتي، و ((العرافون الدجالون)) لياسين العجرمي
(٥) [١٠٦٨٩])) انظر ((اللسان)) (٤/ ٣٤٨)، و ((المصباح المنير)) (ص ٣١٧)، و ((ترتيب القاموس المحيط)) (٢/ ٥٢٨)، و ((مختار الصحاح)) (ص ٢٨٨).
(٦) [١٠٦٩٠])) ((الأم)) (١/ ٣٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>