للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: أهمية الولاء والبراء]

إن الولاء والبراء شرط في الإيمان، كما قال سبحانه: تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة:٨٣ - ٨٤].

يقول ابن تيمية عن هذه الآية: فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط، وجد المشروط بحرف (لو) التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط، فقال: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه ... (١).

والولاء والبراء أوثق عرى الإيمان، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله)) (٢).

يقول الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب: فهل يتم الدين أو يقام علم الجهاد، أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالحب في دين الله والبغض في الله، والمعاداة في الله والموالاة في الله، ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة، ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء، لم يكن فرقاناً بين الحق والباطل، ولا بين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (٣).

ويقول الشيخ حمد بن عتيق: فأما معاداة الكفار والمشركين فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب ذلك، وأكد إيجابه وحرّم موالاتهم وشدد فيها، حتى إنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد، وتحريم ضده (٤).

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع أصحابه على تحقيق هذا الأصل العظيم، فعن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبايع، فقلت: يا رسول الله أبسط يدك حتى أبايعك واشترط علي فأنت أعلم قال: ((أبايعك على أن تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين)) (٥).

وجاء من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: " قلت يا نبي الله ما أتيتك حتى حلفت أكثر من عددهن - لأصابع يديه - ألا آتيك، ولا آتي دينك، وإني كنت امرءاً لا أعقل شيئاً إلا ما علمني الله ورسوله، وإني أسألك بوجه الله عز وجل بما بعثك ربك إلينا؟ قال: بالإسلام، قال: قلت: وما آيات الإسلام؟ قال: أن تقول: أسلمت وجهي إلى الله عز وجل وتخليت، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، كل مسلم على مسلم محرم، أخوان نصيران، لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعدما أسلم عملاً أو يفارق المشركين إلى المسلمين (٦).


(١) ((الإيمان)) (ص١٤).
(٢) رواه الطبراني (١١/ ٢١٥). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (٢٥٣٩).
(٣) رسالة ((أوثق عرى الإيمان)) (ص٣٨).
(٤) ((النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الاشراك)) (ضمن مجموعة التوحيد) (ص٣٦٣).
(٥) رواه النسائي (٧/ ١٤٨)، وأحمد (٤/ ٣٦٥) (١٨٢٥٨). وقال الألباني في ((صحيح سنن النسائي)): صحيح.
(٦) رواه النسائي (٥/ ٨٢)، وأحمد (٥/ ٤) (٢٠٠٥٥)، والحاكم (٤/ ٦٤٣). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وقال الألباني في ((صحيح سنن النسائي)): حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>