للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خامسا: لوازم السب]

تيقظ السلف الصالح رضوان الله عليهم لخطورة الطعن في الصحابة وسبهم، وحذروا من الطاعنين ومقاصدهم؛ وذلك لعلمهم بما قد يؤدي إليه ذلك السب من لوازم باطلة تناقض أصول الدين، فقال بعضهم كلمات قليلة، لكنها جامعة ...

قال الإمام مالك رحمه الله عن هؤلاء – الذين يسبون الصحابة: (إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يمكنهم ذلك، فقدحوا في أصحابه؛ حتى يقال رجل سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين) (١).

وقال الإمام أحمد رحمه الله: (إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام) (٢).

وقال أبو زرعة الرازي رحمه الله: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة) (٣).

وقال الإمام أبو نعيم رحمه الله: (فلا يتتبع هفوات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وزللهم ويحفظ عليهم ما يكون منهم في حال الغضب والموجدة إلا مفتون القلب في دينه) (٤).

ويقول أيضاً: (لا يبسط لسانه فيهم إلا من سوء طويته في النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والإسلام والمسلمين) (٥).

وتحذير العلماء هنا عام يشمل جميع الصحابة، وتأمل قول إمام أهل السنة: (يذكر أحداً من الصحابة بسوء). وقول أبي زرعة: (ينتقص أحداً) فحذروا ممن ينتقص مجرد انتقاص أو ذكر بسوء. وذلك دون الشتم أو التكفير. ثم في واحد منهم وليس جميعهم، فماذا يقال فيمن سب أغلبهم؟!

وإليك أخي القارئ إيضاح لبعض لوازم السب:

أولاً: يترتب على القول بكفر وارتداد معظم الصحابة أو فسقهم إلا نفراً يسيرا الشك في القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وذلك لأن الطعن في النقلة طعن في المنقول، إذ كيف نثق بكتاب نقله إلينا الفسقة والمرتدون – والعياذ بالله – ولذلك صرح بعض أهل الضلال والبدع ممن يسب الصحابة بتحريف الصحابة للقرآن، والبعض أخفى ذلك. وكذلك الأمر بالنسبة للأحاديث النبوية. فإذا اتهم الصحابة رضوان الله عليهم في عدالتهم، صارت الأسانيد مرسلة مقطوعة لا حجة فيها، ومع ذلك يزعم بعض هؤلاء الإيمان بالقرآن. فنقول لهم: يلزم من الإيمان به الإيمان بما فيه، وقد علمت أن الذي فيه أنهم خير الأمم، وأن الله لا يخزيهم، وأنه رضي عنهم. إلخ، فمن لم يصدق ذلك فيهم، فهو مكذب لما في القرآن ناقض لدعواه.

ثانياً: هذا القول يقتضي أن هذه الأمة – والعياذ بالله – شر أمة أخرجت للناس، وسابقي هذه الأمة شرارها، وخيرها القرن الأول كان عامتهم كفاراً أو فساقاً وإنهم شر القرون. كبرت كلمة تخرج من أفواههم.


(١) ((رسالة في سب الصحابة)) (ص: ٤٦) عن ((الصارم المسلول)) (ص: ٥٨٠).
(٢) ((البداية والنهاية)) (٨/ ١٤٢)، وانظر: ((المسائل والرسائل المروية عن أحمد في العقيدة)) للأحمدي (٢/ ٣٦٣، ٣٦٤).
(٣) ((الكفاية)) للخطيب البغدادي (ص: ٩٧).
(٤) ((تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة)) لأبي نعيم (ص: ٣٤٤).
(٥) ((تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة)) لأبي نعيم (ص: ٣٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>