للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الخامس: العلاقة بين التشبه والولاء]

من نافلة القول: أن الشارع ما ترك خيراً إلا دل الأمة عليه، وما ترك شراً إلا حذر الأمة عنه. وحين أمر الشارع الحكيم بمخالفة الكفار – في الهدي الظاهر – فإن ذلك لحكم جليلة (١) منها:

(١) إن المشاركة في الهدي الظاهر: تورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين يقود إلى الموافقة في الأخلاق والأعمال.

وهذا أمر محسوس، فإن اللابس لثياب الجند المقاتلة – مثلاً – في نفسه نوع تخلق بأخلاقهم، ويصير طبعه مقتضياً لذلك، إلا أن يمنعه من ذلك مانع.

(٢) إن المخالفة في الهدي الظاهر: توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال. والانعطاف إلى أهل الهدي والرضوان، وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين.

وكلما كان القلب أتم حياة، وأعرف بالإسلام الذي هو الإسلام – لست أعني مجرد التوسم به ظاهراً، أو باطناً بمجرد الاعتقادات التقليدية من حيث الجملة – كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطناً أو ظاهراً أتم. وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد.

(٣) إن مشاركتهم في الهدي الظاهر: توجب الاختلاط الظاهر، حتى يرتفع التمييز ظاهراً بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين إلى غير ذلك من الأسباب الحكمية.

هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظاهر إلا مباحاً محضاً، لو تجرد عن مشابهتهم.

فأما إن كان من موجبات كفرهم فإنه يكون شعبة من شعب الكفر، فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع ضلالتهم ومعاصيهم. وهذا أصل ينبغي أن يتفطن إليه (٢).

مثال واحد من مشابهة اليهود والنصارى:

(العيد):

العيد مظهر مميز للأمة، ومن هنا اخترته مثالاً واحداً من أمثلة التشبه باليهود والنصارى، وقد وردت الأدلة الكثيرة المحرمة للتشبه بهم في هذا الشأن من الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار (٣).

أما الكتاب فقد قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [الفرقان: ٧٢].

قال مجاهد في تفسيرها إنها أعياد المشركين وكذلك قال مثله الربيع بن أنس والقاضي أبو يعلى والضحاك (٤).

وإذا كان الله قد مدح ترك شهودها الذي هو مجرد الحضور برؤية أو سماع فكيف بالموافقة بما يزيد على ذلك من العمل الذي هو عمل الزور لا مجرد شهوده؟

ومن السنة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما، يوم الأضحى ويوم الفطر)) (٥) رواه أبو داود وأحمد والنسائي على شرط مسلم.


(١) [١٠٨٢])) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (١١ - ١٢)
(٢) [١٠٨٣])) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (ص١٢).
(٣) [١٠٨٤])) أفاض شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا الموضوع بما يكفي ويشفي في كتابه القيم ((اقتضاء الصراط المستقيم)). ولذا فما أذكره هنا مقتبس من كلامه رحمه الله
(٤) [١٠٨٥])) ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (ص١٨١).
(٥) [١٠٨٦])) رواه أبو داود (١١٣٤) , وأحمد (٣/ ٢٥٠) (١٣٦٤٧) , والحاكم (١/ ٤٣٤) , والحديث سكت عنه أبو داود, وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي, وقال النووي في ((الخلاصة)) (٢/ ٨١٩): إسناده صحيح, وقال ابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (١/ ٤٨٥): إسناده على شرط مسلم, وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)).

<<  <  ج: ص:  >  >>