للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الخامس: دفع أضرار الفوضى]

كما أن من الأدلة على وجوب الإمامة دفع أضرار الفوضى، لأن في عدم اتخاذ إمام معين من الأضرار والفوضى ما لا يعلمه إلا الله، ودفع الضرر وحماية الضروريات الخمس - الدين، والنفس، والعرض، والمال، والعقل - واجب شرعًا، ومن مقاصد الشريعة حفظها. وهذا لا يتم إلا بإقامة إمام للمسلمين، فدل على وجوبه، قال الإمام أحمد رحمه الله في رواية محمد بن عوف بن سفيان الحمصي: (الفتنة إذا لم يكن إمام يقوم بأمر الناس) (١).

ويقول ابن المبارك رحمه الله:

إن الجماعة حبل الله فاعتصموا ... بعروته الوثقى لمن دانا

كم يدفع الله بالسلطان مظلمة ... في ديننا رحمة منه ودنيانا

لولا الخليفة لم تأمن لنا سبل ... وكان أضعفنا نهبًا لأقوانا (٢)

... وخير دليل على ذلك: الواقع المرير الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم، ففيه دلالة قاطعة على أنه لن تقوم للإسلام قائمة إلا بالرجوع إلى الله، ثم السعي إلى إقامة الخلافة الإسلامية التي ما فتئ أعداء الإسلام ينخرون في جنباتها حتى قوضوها، وصار لهم ما أرادوا فبعد أن أُبعدت الخلافة الإسلامية، ونُحي الإسلام عن قيادة الأمة، عُطلت الحدود، وانتهكت الأعراض والحرمات، وعطلت راية الجهاد، وقسمت بلاد المسلمين إلى دويلات متناحرة يضرب بعضها رقاب بعض. وسلبت خيرات المسلمين من أراضيهم، وتكالبت عليهم الأمم الكافرة من كل حدب وصوب (وما الذل الذي يخيم على المسلمين فيجعلهم يعيشون على هامش العالم، وفي ذيل الأمم ومؤخرة التاريخ، إلا قعود المسلمين عن العمل لإقامة الخلافة وعدم مبادرتهم إلى نصب خليفة لهم التزامًا بالحكم الشرعي الذي أصبح معلومًا من الدين بالضرورة كالصلاة والصوم والحج، فالقعود عن العمل لاستئناف الحياة الإسلامية معصية من أكبر المعاصي، لذلك كان نصب خليفة لهذه الأمة فرضًا لازمًا لتطبيق الأحكام على المسلمين، وحمل الدعوة الإسلامية إلى جميع أنحاء العالم) (٣). لذلك فلا خلاص لهذه الأمة مما هي فيه اليوم من الذل والهوان إلا بالإنابة إلى الله، ثم إقامة حكم الله على هذه الأرض وفق ما ارتضى لها ربها عز وجل.


(١) [١٢٩٣٣])) ((الأحكام السلطانية)) لأبي يعلى (ص: ١٩) و ((السنة)) (١/ ٨١)، و ((طبقات الحنابلة)) (١/ ٣١١) بلفظ (بأمر المسلمين).
(٢) [١٢٩٣٤])) انظر: ((الحلية)) لأبي نعيم (٨/ ١٦٤).
(٣) [١٢٩٣٥])) ((قواعد نظام الحكم في الإسلام)) د. محمود عبد المجيد الخالدي (ص: ٢٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>