للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الخامس: العلم]

قالوا: يشترط أن يكون بلغ مرتبة الاجتهاد وهم الجمهور، فقد قال الشاطبي رحمه الله: (إن العلماء نقلوا الاتفاق على أن الإمامة الكبرى لا تنعقد إلا لمن نال رتبة الاجتهاد والفتوى في علوم الشرع) (١)، وقال إمام الحرمين الجويني: (فالشرط أن يكون الإمام مجتهدًا بالغًا مبلغ المجتهدين مستجمعًا صفات المفتين، ولم يؤثر في اشتراط ذلك خلاف) (٢)، وقال الرملي في سياق عده لشروط الإمام: ( ... مجتهدًا كالقاضي وأولى، بل حكى فيه الإجماع ... ) قال: (وكون أكثر من ولي أمر الأمة بعد الخلفاء الراشدين غير مجتهد إنما هو لتغلبهم فلا يَرِدْ) (٣).

وإلى هذا القول ذهب الإمام الشافعي (٤)، والماوردي (٥)، والقاضي أبو يعلى (٦)، وعبد القاهر البغدادي (٧)، والقرطبي (٨)، وابن خلدون (٩)، والقلقشندي (١٠) وغيرهم واستدلوا على ما ذهبوا إليه بالأدلة التالية:

١ - إن الصحابة رضوان الله عليهم قدَّموا للإمامة من قدمه الرسول - صلى الله عليه وسلم - للصلاة - ... - وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ... )) إلخ الحديث (١١).

٢ - واستدلوا أيضًا بالقياس حيث قاسوا منصب الإمامة العظمى على منصب القضاء، قال الباقلاني: (لأن القاضي الذي يكون من قِبَلِه يفتقر إلى ذلك فالإمام أولى) ...

٣ - واستدلوا أيضًا بطبيعة العمل الموكل إلى الإمام الأعظم قال إمام الحرمين الجويني: (والدليل عليه أن أمور معظم الدين تتعلق بالأئمة فأما ما يختص بالولاة وذوي الأمر فلا شك في ارتباطه بالإمام، وأما ما عداه من أحكام فقد يتعلق به من جهة انتدابه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلو لم يكن الإمام مستقلاً بعلم الشريعة لاحتاج إلى مراجعة العلماء في تفاصيل الوقائع التي ترفع إلى الإمام، وذلك يشتت رأيه ويخرجه عن دائرة الاستقلال) (١٢).

ويقول القلقشندي: (لأنه محتاج لأن يصرف الأمور على النهج القويم ويجريها على الصراط المستقيم، ولأن يعلم الحدود ويستوفي الحقوق ويفصل الخصومات بين الناس، وإذا لم يكن عالمًا مجتهدًا لم يقدر على ذلك) (١٣).

٤ - أما ابن خلدون فقد استدل على اشتراط الاجتهاد بقوله: (لأن التقليد نقص، والإمامة تستدعي الكمال في الأوصاف والأحوال). وقال: (لأنه إنما يكون منفذًا لأحكام الله تعالى إذا كان عالمًا بها، وما لم يعلمها لا يصح تقديمه لها) (١٤).

وهذه المسألة من المسائل الاجتهادية لأنه لم يرد نص صريح فيها، وإنما مرجع ذلك إلى الضرورة والحاجة والمصلحة، فإذا وُجِد مجتهد تتوفر فيه بقية الشروط الضرورية والمنصوص عليها فهو المطلوب، وإن تعذر وجوده فلا تترك مصالح المسلمين تتعطل ويدب فيهم الفساد بسبب عدم وجود المجتهد الذي تتوفر فيه شروط الإمام والله أعلم. الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة لعبدالله بن عمر الدميجي – ص: ٢٤٧


(١) [١٢٩٧٥])) ((الاعتصام)) (٢/ ١٢٦).
(٢) [١٢٩٧٦])) ((غياث الأمم)) (ص: ٦٦).
(٣) [١٢٩٧٧])) ((نهاية المحتاج)) (٧/ ٤٠٩).
(٤) [١٢٩٧٨])) ((الأم)) (١/ ١٦١).
(٥) [١٢٩٧٩])) ((الأحكام السلطانية)) للماوردي (ص: ٦).
(٦) [١٢٩٨٠])) ((الأحكام السلطانية)) لأبي يعلى (ص: ٢٠).
(٧) [١٢٩٨١])) ((أصول الدين)) (ص: ٢٧٧).
(٨) [١٢٩٨٢])) ((أحكام القرآن)) (١/ ٢٧١).
(٩) [١٢٩٨٣])) ((مقدمة ابن خلدون)) (ص: ١٣٩).
(١٠) [١٢٩٨٤])) ((مآثر الإنافة)) (١/ ٣٧).
(١١) [١٢٩٨٥])) رواه مسلم (٦٧٣). من حديث أبو مسعود رضي الله عنه.
(١٢) [١٢٩٨٦])) ((غياث الأمم)) (ص: ٦٦).
(١٣) [١٢٩٨٧])) ((مآثر الإنافة)) (١/ ٣٧).
(١٤) [١٢٩٨٨])) ((مقدمة ابن خلدون)) (ص: ١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>