للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثامن: الكفاءة الجسمية]

والمقصود بها سلامة الحواس والأعضاء التي يؤثر فقدانها على الرأي والعمل. كذهاب البصر والنطق والسمع فهذه تؤثر في الرأي، وفقدان اليدين والرجلين يؤثر في النهوض وسرعة الحركة، وتشوه المنظر وتضعف من هيبة الإمام في نفوس الرعية، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الشرط في قصة طالوت كما مر وذلك في قوله تعالى: إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة: ٢٤٧].

من أجل هذا قسَّم الفقهاء أوجه النقص الجسدية إلى أربعة أقسام:

الأول: ما لا يمنع من عقد الإمامة وهو: النقص الذي لا يؤثر فقده في رأي ولا عمل ولا يشين في المنظر فهذا نقص لا يحول دون قيام الخليفة بوظائفه لأنه لا يؤثر في كفاءته وقدرته على سياسة الأمور في الدولة الإسلامية.

الثاني: النقص الذي يمنع من اختيار الشخص لمنصب الخلافة كفقد اليدين أو عجز الرجلين الذي يمنعه من النهوض ويؤثر في حركته، فهذا وذاك نقص يؤثر في الكفاءة اللازم توفرها في المرشح للخلافة، ويعوقه عن مباشرة سلطاته واختصاصاته فيما لو ولي أمر الأمة، وهو ما يضر بحقوقها ومصالحها العامة، لذلك فإن هذا النقص يحول دون صلاحية الشخص لرئاسة الدولة، كما أنه يؤدي في حالة طروء هذا النقص عليه بعد توليته الخلافة إلى منع استدامتها.

الثالث: وهو النقص المؤدي إلى العجز الجزئي ويؤثر في أداء بعض الأعمال كقطع إحدى اليدين أو الرجلين، وهذا من شأنه أن يحول دون اختياره للخلافة لعجزه عن كمال التصرف، ولم يختلف الفقهاء في ذلك وإنما اختلفوا في استدامتها ...

الرابع: وهو النقص الذي يمنع الخليفة من مباشرة الأعباء المقررة على المنصب ولا يحول دون قيامه بسائر اختصاصاته وسلطاته كالنقص المؤثر في المظهر كجدع الأنف وسمل إحدى العينين، فهذا لا يخرجه من الإمامة بعد عقدها اتفاقًا، لعدم تأثيره في شيء من حقوقها، أما في الاختيار فالعلماء فيه على رأيين منهم من أجاز، ومنهم من منع ليسلم الولاة من شين يعاب ونقص يزدرى فتقلّ هيبتهم، وفي قلَّتها نفور عن الطاعة، وما أدى إلى هذا فهو نقص في حقوق الأمة. أما عن شرط سلامة الحواس. فالسمع والنطق يشترطه كثير من الفقهاء، لأن الوقوف على مصالح المسلمين والرأي والتدبير يتوقف عليهما ومنهم من لم يشترطهما لإمكان الفهم عن طريق الكتابة (١) ونحوها. لكن الراجح اشتراط توفرهما في الخليفة للحاجة إليهما، وكذلك البصر فهو من الشروط التي يجب توافره ضرورة، لأن الأعمى لا يستطيع أن يدبر أمر نفسه وهو ما لا يسمح له أن يدبر أمر المسلمين، أما في الولاية الصغرى فجائز لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولى ابن أم مكتوم وهو رجل أعمى على المدينة عدة مرات (٢) وقد خالف في اشتراط هذا الشرط ابن حزم رحمه الله تعالى فقال: (لا يضر الإمام أن يكون في خلقه عيب، كالأعمى والأصم والأجدع والأجذم والأحدب، والذي لا يدان له ولا رجلان، ومن بلغ الهرم ما دام يعقل ولو أنه ابن مائة عام ... فكل هؤلاء إمامتهم جائزة، إذ لم يمنع منها نص القرآن ولا سنة ولا إجماع ولا نظر ولا دليل أصلا) (٣).

ونحن لا نقول بأنه نص عليه قرآن ولا سنة ولا إجماع، وإنما مقصود الإمامة لا يتم إلا بمن كانت فيه هذه الشروط، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب والله أعلم. الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة لعبدالله بن عمر الدميجي - بتصرف– ص: ٢٦١


(١) [١٣٠١٥])) انظر: ((الأحكام السلطانية)) للماوردي (ص: ١٩)، ((الأحكام السلطانية)) لأبي يعلى (ص: ٢١، ٢٢)، ((مآثر الإنافة)) (١/ ٣٤)، ((مقدمة ابن خلدون)) (ص: ١٩٣) ((طرق اختيار الخليفة)) د. فؤاد محمد النادي (ص: ٦٤)، ((رئاسة الدولة في الفقه الإسلامي)) (ص: ١٦٨).
(٢) [١٣٠١٦])) حديث استخلاف ابن أم مكتوم على المدينة رواه أبو داود (٢٩٣١)، وأحمد (٣/ ١٣٢) (١٢٣٦٦)، وأبو يعلى (٥/ ٤٢٢) (٣١١٠). من حديث أنس رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (٤٩٦)، وحسن سناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (١/ ١٧٤)، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٤/ ٢) كما قال ذلك في المقدمة.
(٣) [١٣٠١٧])) ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) (٤/ ١٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>