للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: الجهاد معه]

أما عن حكم الجهاد معهم وتحت لوائهم ورايتهم، فقد نص أهل العلم على أن الجهاد يكون مع كل بر وفاجر، وسيأتي نقل أقوالهم في ذلك تحت الحديث عن حكم الجهاد مع الحاكم الفاسق، والبدع من أنواع الفسق والفجور التي لا تمنع الرعية من إقامة الجهاد خلف حكامهم إن كانوا متلبسين بذلك.

ومن آثار السلف في ذلك ما جاء عن الإمام أحمد رحمه الله أنه كان يحث على الجهاد أيام المأمون والمعتصم في قتال بابك الخرمي.

ومن ذلك كتاب الإمام أحمد إلى علي بن المديني، ونصه: (إلى أبي الحسن علي بن عبد الله من أحمد بن محمد:

سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد:

أحسن الله إليك في الأمور كلها، وسلمك وإيانا من كل سوء برحمته، كتبت إليك وأنا ومن أعنى به في نعم من الله متظاهرة، أسأله العون على أداء شكر ذلك فإنه ولي كل نعمة، كتبت إليك –رحمك الله- في أمر لعله أن يكون قد بلغك من أمر هذا الخرمي، الذي قد ركب الإسلام بما قد ركبه به، من قتل الذرية وغير ذلك وانتهاك المحارم وسبي النساء وكلمني في الكتاب إليك بعض إخوانك، رجاء منفعة ذلك عند من يحضرك ممن له نية في النهوض إلى أهل أردبيل، والذب عنهم وعن حريمهم ممن ترى أنه يقبل منك، فإن رأيت –رحمك الله- لمن حضرك ممن ترى أنه يقبل منك ذلك، فإنهم على شفا هلكة وضيعة وخوف من هذا العدو المظل، كفاك الله وإيانا كل مهم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)) (١).

وعن حسين الصائغ قال: لما كان من أمر بابك جعل أبو عبد الله يحرض على الخروج إليه وكتب معي كتاباً إلى أبي الوليد والي البصرة يحرضهم على الخروج إلى بابك (٢).

فظهر أن ارتكاب الحاكم للبدعة لا يكون سبباً للتخاذل عنه وعدم نصرته والجهاد معه، لأن في ذلك خذلاناً للمسلمين وقد يكون سبباً لنصر أعداء الله عليهم خاصة إن كانوا في مواجهة الكفار.

لكن ينبه هنا على أن الجهاد أو القتال الذي لا يترك مع الخليفة المبتدع هو الجهاد الشرعي الذي نص أهل العلم على أنه جهاد في سبيل إعلاء كلمة الله، ويدخل في ذلك قتال الخوارج والبغاة مع الإمام، أما القتال في الفتنة فإن هذا مما يحرم متابعة الإمام فيه، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ضوابط معاملة الحاكم عند أهل السنة والجماعة وأثرها على الأمة لخالد ضحوي الظفيري ٢/ ٤٥٢


(١) رواه الخلال في ((السنة)) (١/ ١٤٧ - ١٤٨) برم (١١٥).
(٢) رواه الخلال في ((السنة)) (١/ ١٤٨) برم (١١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>