للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: التعريف]

وذلك بأن يعرف مرتكب المنكر –إما بالمباشرة أو التعريض حسب الموقف- بأن هذا لا ينبغي أو حرام وأنت لست ممن يفعل ذلك بالقصد، فأنت أرفع من ذلك. ويبين له ذلك بالحكمة والرفق واللين حتى يقبل ولا ينفر.

وقد ضرب الغزالي مثلاً لذلك قال فيه: (فإن المنكر قد يقدم عليه المقدم بجهله، وإذا عرف أنه منكر تركه كالسوادي يصلي ولا يحسن الركوع والسجود، فيجب تعريفه باللطف من غير عنف؛ وذلك لأن في ضمن التعريف نسبة إلى الجهل والحمق والتجهيل إيذاء، وقلما يرضى الإنسان بأن ينسب إلى الجهل بالأمور ولاسيما بالشرع. ولذلك ترى الذي يغلب عليه الغضب كيف أن تنكشف عورة جهله والطباع أحرص على ستر عورة الجهل. فنقول له إن الإنسان لا يولد عالماً ولقد كنا أيضاً جاهلين بأمور الصلاة فعلمنا العلماء، ولعل قريتك خالية عن أهل العلم، أو عالمها مقصر في شرح الصلاة. وهكذا يتلطف به ليحصل التعريف من غير إيذاء، فإيذاء المسلم محذور كما أن تقريره على المنكر محذور. وليس من العقلاء من يغسل الدم بالدم أو بالبول، ومن اجتنب محذور السكوت على المنكر واستبدل عنه محذور الإيذاء للمسلم مع الاستغناء عنه، فقد غسل الدم بالبول على التحقيق ... ) (١).

... ويختلف الأسلوب من شخص لآخر ومن وقت إلى وقت، فعلى الناهي عن المنكر أن يلبس لكل حالة لبوسها. ولابد في كل الحالات من عامل مشترك ألا وهو التعريف بالرفق واللين واللطف ولا سيما إذا كانت حال الواقع في المنكر مجهولة.

ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا علم شخصاً ما قد وقع في محظور فإنه يخطب ويعمم ولا يخصص. كل ذلك من أجل أن لا يجرح شعور ذلك الشخص.

فقد ورد عن عائشة –رضي الله عنها- قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كره من إنسان شيئاً قال: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا)) (٢).

وفي رواية ((إذا بلغه عن الرجل شيء)) الحديث (٣).

وروى الخلال بسنده قال أخبرني عصمة بن عصام قال: حدثنا حنبل أنه سمع أبا عبد الله يقول: والناس يحتاجون إلى مداراة ورفق في الأمر بالمعروف بلا غلظة إلا رجلاً مبايناً معلناً بالفسق والردى فيجب عليك نهيه وإعلانه؛ لأنه يقال: ليس لفاسق حرمة، فهذا لا حرمة له (٤).

وقال أيضاً: أخبرني محمد بن علي الوراق قال: حدثني مهنا قال: قال أحمد بن حنبل، كان أصحاب ابن مسعود إذا مروا بقوم يرون منهم ما يكرهون. يقولون مهلاً رحمكم الله (٥).

فهذه الآثار تبين طريقة السلف رضي الله عنهم في النهي عن المنكر. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعبد العزيز بن أحمد المسعود – ص ٥١٩


(١) ((إحياء علوم الدين)). الغزالي م٣ (٧/ ٤٥) باختصار.
(٢) لم أقف على لفظه من رواية عائشة رضي الله عنها، ولكن ذكره الغزالي في ((إحياء علوم الدين)) (٣/ ١٤٥)، وقال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (٣/ ١٧٩): أبو داود من حديث عائشة دون قوله: ((وكان لا يعيره)) ورجاله رجال الصحيح.
(٣) رواه أبو داود (٤٧٨٨). وسكت عنه، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود))، وقال الوادعي في ((الصحيح المسند)) (١٦١٢): صحيح على شرط الشيخين.
(٤) ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) الخلال (ص: ٨٠).
(٥) ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) الخلال (ص: ٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>