للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: خطورة البدعة وآثارها السيئة]

البدعة لا يُقْبَلُ معها عمل:

كبدعة القدرية حيث قال فيها عبدالله بن عمر رضي الله عنه: (إذا لقيت أُولئك فأخبرهم أنِّي بريءٌ منهم، وأنَّهم بُرَءَاءُ مني، فوالذي يحلف به عبدالله بن عمر لو كان لأحدهم مثل أُحُدٍ ذهباً فأنفقه ما تَقَبَّله الله منه حتى يؤمن بالقدر) (١).

ومثله حديث الخوارج وقوله فيه: ((يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية - بعد قوله - تَحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم)) الحديث (٢).

وإذا ثبت في بعضهم هذا لأجل بدعته فكل مبتدع يُخاف عليه مثل من ذُكِر، فإنَّ كون المبتدع لا يقبل منه عمل، إما أن يراد أنَّه لا يُقبل له بإطلاق على أي وجه وقع، من وِفاق سنة أو خلافِها، وإما أن (يراد) أنَّه لا يقبل منه ما ابتدع فيه خاصة دون ما لم يبتدع فيه.

فأمَّا الأوَّل: فيمكن على أحد أوجهٍ ثلاثة:

١ - أن يكون على ظاهره من أنَّ كلَّ مبتدع أي بدعة كانت؛ فأعماله لا تقبل معها - داخلتها تلك البدعة أم لا-.

٢ - أن تكون بدعته أصلاً يتفرع عليه سائر الأعمال، كما إذا ذهب إلى إنكار العمل بخبر الواحد بإطلاق، فإنَّ عامة التكليف مبنيٌ عليه، لأنَّ الأمر إنَّما يَرِد على المُكلَّف من كتاب الله أو من سنة رسوله. وما تَفَرَّع منهما راجع إليهما.

٣ - أنَّ صاحب البدعة في بعض الأُمور التعبدية أو غيرها قد يجره اعتقاد بدعته الخاصة إلى التأويل الذي يُصيِّر اعتقاده في الشريعة ضعيفاً، وذلك يبطل عليه جميع عمله. بيان ذلك أمثلة:

- منها أن يُشْرِكَ العقلَ مع الشرع في التشريع، وإنَّما يأتي الشرع كاشفاً لما اقتضاه العقل، فيا ليت شعري هل حكَّم هؤلاء في التعبد لله شَرْعَه أم عقولَهم؟ بل صار الشرع في نِحْلَتِهم كالتابع المعين لا حاكماً متبعاً، وهذا هو التشريع الذي لم يبق للشرع معه أصالة، فكلُ ما عمل هذا العامل مبنياً على ما اقتضاه عقله، وإن شَرَّك الشرع فعلى حكم الشركة لا على إفراد الشرع.

- ومنها أنَّ المستحسن للبدع يلزمه عادة أن يكون الشرع عنده لم يكمل بعدُ، فلا يكون لقوله تعالى: الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: ٣] معنى يعتبر به عندهم.

وأمَّا الثاني: وهو أن يراد بعدم القبول لأعمالهم ما ابتدعوا فيه خاصة فيظهر أيضاً، وعليه يَدُلُّ الحديث المتقدِّم ((كلُّ عملٍ ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ)) (٣) والجميع من قوله: ((كل بدعة ضلالة)) (٤). أي أنَّ صاحبها ليس على الصراط المستقيم، وهو معنى عدم القبول، وفاق قول الله: وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام: ١٥٣]، وصاحبُ البدعة لا يقتصر في الغالب على الصلاة دون الصيام، ولا على الصيام دون الزكاة، ولا على الزكاة دون الحج، ولا على الحج دون الجهاد، إلى غير ذلك من الأعمال، لأنَّ الباعث له على ذلك حاضر معه في الجميع، وهو الهوى والجهل بشريعة الله.


(١) [١٥٠١٤])) رواه مسلم (٨).
(٢) [١٥٠١٥])) رواه البخاري (٥٠٥٨)، ومسلم (١٠٦٤). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٣) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (٧٣٥٠) كتاب: الاعتصام، باب: إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ. ومسلم (١٧١٨) (١٨). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٤) [١٥٠١٧])) رواه مسلم (٨٦٧). من حديث جابر رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>