للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب السادس: الاستدلال بقياس الأولى دون غيره من أنواع القياس]

إن الله تعالى لا مثيل له، بل له المثل الأعلى، ولذلك نهى أن يضرب له المثل فقال: فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [النحل: ٧٤]، فلا يجوز أن يمثل بغيره من الخلق، سواء كان ذلك بقياس تمثيل أو قياس شمول (١). وإنما يستعمل في حقه سبحانه، قياس الأولى الدال عليه قول الله تعالى: وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ [النحل: ٦٠] أي الأكمل والأحسن والأطيب كما قال ابن جرير رحمه الله. فقياس الأولى راجع إلى الأمثال المضروبة في الكتاب والسنة.

ويستعمل قياس الأولى في الإثبات وفي التنزيه.

أما في الإثبات: فإنه يكون في أمرين كليين (٢):

الأول: إن الاتصاف بالصفات الوجودية في حق المخلوق أكمل فيه من اتصافه بالأمور العدمية، فالخالق أحق بالأمور الوجودية من كل مخلوق.

الثاني: إن كل كمال ثبت فالخالق أولى به منه، ويشترط في هذا الكمال:

١ - أن لا يكون فيه نقص بوجه من الوجوه، كالقدرة على إنجاب الولد، فهذا كمال في حق المخلوق، ولكن ليس كمالاً مطلقاً، إذ فيه نقص من وجوه وهو أن الوالد محتاج إلى ولده ولا يستغني عنه ولذلك قال الله تعالى: قَالُواْ اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ [يونس: ٦٨].

٢ - أن لا يكون مستلزماً للعدم، وهذا الشرط ذكر لأن بعض المخالفين يصفونه بصفات السلوب التي لا تتضمن أمراً وجودياً، ويزعمون أنها كمال في حق الخالق مع أنها مستلزمة للعدم. فيجب إذاً أن يوصف الله بصفات كاملة وجودية لا صفات مستلزمة للعدم (٣).

ويمكن الاستدلال لقاعدة استعمال قياس الأولى في الإثبات بذكر ثلاث صفات؛ الأولى: الرحمة، والثانية: القدرة، والثالثة: الفرح.

أما الأولى فيدل لها قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ قلنا لا والله، وهي تقدر على ألا تطرحه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أرحم بعباده من هذه بولدها)) (٤) اهـ.

والثانية في قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي مسعود رضي الله عنه لما ضرب مملوكه فقال له: ((اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام)) (٥).

والثالثة: في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة)) (٦).

والاستعمال الثاني لقياس الأولى يكون في التنزيه: وهو أن كل نقص وعيب في نفسه ينزه المخلوق عنه، فتنزيه الخالق عنه أولى. والمقصود بالعيب في نفسه ما تضمن سلب كمال ما أثبت (٧).

ومثال هذا القياس ما ذكره الله من مثل في شأن تنزهه عن أن يكون له شريك في صفة الإلهية، قال الله تعالى: ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الروم: ٢٨].


(١) انظر: ((الرسالة التدمرية)) (٢/ ٣٣).
(٢) انظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) (١/ ٢٩ - ٣٠).
(٣) انظر: ((نقض التأسيس)) لابن تيمية (٢/ ٣٦٠ - ٣٦٢).
(٤) رواه البخاري (٥٩٩٩)، ومسلم (٢٧٥٤). من حديث عمر رضي الله عنه.
(٥) رواه مسلم (١٦٥٩). من حديث أبي مسعود رضي الله عنه.
(٦) رواه مسلم (٢٦٧٥). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٧) انظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) (١/ ٢٩ - ٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>