للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- النَّفَسُ (بالتحريك)

صفةٌ فعليةٌ لله عَزَّ وجَلَّ؛ من التنفيس؛ كالفَرَج والتفريج، ثابتةٌ بالسنة الصحيحة

الدليل:

حديث سلمة بن نفيل السكوني رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو مُوَلٍّ ظهره إلى اليمن: ((إني أجدُ نَفَسَ الرحمن من هنا)) (١)

حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((ألا إنَّ الإيمان يمان والحكمة يمانية، وأجد نَفَسَ ربكم من قبل اليمن)) (٢)

حديث أبي بن كعب رضي الله عنه موقوفاً عليه: ((لا تسبوا الريح؛ فإنها من نَفَسِ الرحمن تبارك وتعالى)) (٣)

حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((من نَفَّسَ عن مؤمن كربة من كرب الدنيا؛ نَفَّسَ الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)) (٤)

قال الأزهري بعد أن ذكر حديث: ((أجد نَفَسَ ربكم من قبل اليمن) قال: ((أجد تنفيس ربكم عنكم من جهة اليمن؛ لأنَّ الله جَلَّ وعَزَّ نصرهم بهم، وأيدهم برجالهم، وكذلك قوله: ((الريح من نَفَس الرحمن) أي: من تنفيس الله بها عن المكروبين، وتفريجه عن الملهوفين)) اهـ (٥)

وقال في (القاموس المحيط): وفي قوله: ((ولا تسبوا الريح؛ فإنها من نَفَسِ الرحمن))، و ((أجد نَفَس ربكم من قبل اليمن))؛ اسم وضِع موضع المصدر الحقيقي، من نَفَّسَ تنفيساً ونَفَساَ؛ أي: فَرَّجَ تفريجاً))

قال أبو يعلى الفراء بعد ذكره حديث: ((الريح من نَفَس الرحمن)): اعلم أنَّ شيخنا أبا عبد الله ذكر هذا الحديث في كتابه، وامتنع أن يكون على ظاهره، في أنَّ الريح صفةٌ ترجع إلى الذات، والأمر على ما قاله، ويكون معناه أنَّ الريح مما يُفَرِّج الله عَزَّ وجَلَّ بها عن المكروب والمغموم؛ فيكون معنى النَّفَس معنى التنفيس، وذلك معروف في قولهم: نَفَّسْتُ عن فلان؛ أي: فَرَّجْتُ عنه، وكلمت زيداً في التَّنفيس عن غريمه، ويقال: نفَّس الله عن فلان كربة؛ أي: فرَّج عنه، وروي في الخبر: ((من نفَّس عن مكروب كُربة؛ نَفَّس الله عنه كربة يوم القيامة))، وروي في الخبر أنَّ اللهَ فَرَّجَ عن نبيِّه بالريح يوم الأحزاب، فقال سبحانه: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا [الأحزاب: ٩]

وإنما وجب حمل هذا الخبر على هذا، ولم يجب تأويل غيره من الأخبار؛ لأنه قد روي في الخبر ما يدل على ذلك، وذلك أنَّه قال: ((فإذا رأيتموها؛ فقولوا: اللهم إنا نسألك من خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، ونعوذ بك من شرَّها وشرِّ ما فيها وشرِّ ما أرسلت به))، وهذا يقتضي أنَّ فيها شرّاً وأنها مرسلة، وهذه صفات المحدثات اهـ (٦)

وبنحو هذا الكلام قال ابن قتيبة (٧)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية شارحاً لحديث: ((إني لأجد نَفَسَ الرحمن من قبل اليمن)): فقوله: ((من اليَمَن))؛ يبين مقصود الحديث؛ فإنه ليس لليمن اختصاص بصفات الله تعالى حتى يظن ذلك، ولكن منها جاء الذين يحبهم ويحبونه، الذين قال فيهم: مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:٥٤]، وقد روي أنه لما نزلت هذه الآية؛ سئل عن هؤلاء؟ فذكر أنهم قوم أبي موسى الأشعري، وجاءت الأحاديث الصحيحة مثل قوله: ((أتاكم أهل اليمن؛ أرق قلوباً، وألين أفئدة؛ الإيمان يمان، والحكمة يمانية)) (٨)، وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهل الردة، وفتحوا الأمصار؛ فبهم نفّس الرحمن عن المؤمنين الكربات)) (٩) وبنحوه قال الشيخ العثيمين -رحمه الله- في (القواعد المثلى) (١٠) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص٣٠٧


(١) رواه الطبراني (٧/ ٥٢)، والبزار في ((البحر الزخار)) (٩/ ١٥٠)، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (٢/ ٣٩١). وأشار عبد الحق الإشبيلي إلى تصحيحه في مقدمة كتابه ((الأحكام الصغرى)) (٥٠٢)، وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (٣٣٦٧): إسناده صحيح.
(٢) رواه أحمد (٢/ ٥٤١) (١٠٩٩١)، والطبراني في ((مسند الشاميين)) (٢/ ١٤٩). قال العراقي في ((المغني)) (١/ ١٤٣): رجاله ثقات. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ٥٦): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير شبيب وهو ثقة. وأشار الألباني إلى تصحيحه في ((السلسلة الصحيحة)) بعد حديث رقم (٣٣٦٧) وقال: فهذا شاهد قوي له من حديث سلمة بن نفيل أوجب عليَّ تخريجه هنا والتنبيه على أن الحديث صار به صحيحاً. والحديث أصله في الصحيحين مختصرا.
(٣) رواه النسائي في ((السنن الكبرى)) (٦/ ٢٣٢)، والحاكم (٢/ ٢٩٨)، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (٢/ ٣٩٣). وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقد أسند من حديث حبيب بن أبي ثابت من غير هذه الرواية. وقال الذهبي في ((التلخيص)): على شرط البخاري.
(٤) رواه مسلم (٢٦٩٩).
(٥) ((تهذيب اللغة)) (١٣/ ٩).
(٦) ((إبطال التأويلات)) (ص٢٥٠).
(٧) ((تأويل مختلف الحديث)) (٢٤٩).
(٨) رواه البخاري (٤٣٨٨)، ومسلم (٥٢). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٩) ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٣٩٨).
(١٠) ((القواعد المثلى)) (ص٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>