للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: إثبات أنه ليس كمثل الله عز وجل شيء في صفاته الثابتة له]

وهذا هو النوع الثاني من المعاني الجامعة للصفات المنفية التي جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية، وهو يقوم على تنزيه أوصاف الكمال الثابتة له سبحانه عن مماثلة أوصاف المخلوقين.

فجميع ما اتصف الله عز وجل به من الصفات لا يماثله فيها أحد من خلقه، والنص إذا ورد بإثبات صفة من الصفات وجب الإيمان به والاعتقاد الجازم بأن ذلك الوصف بالغ من غايات الكمال والشرف والعلو ما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين (١)، وهذا الذي أخبرنا به سبحانه وتعالى في قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: ١١] ونحوها، أي: أن الله عز وجل منزه عن أن يكون له مثل في شيء مما يوصف به من صفات كماله؛ لأن مماثلة المخلوق من أعظم النقص الذي يجب أن ينزه الله عنه (٢).

(وكذلك ما كان مختصاً بالمخلوق فإنه يمتنع اتصاف الرب به، فلا يوصف الرب بشيء من النقائص، ولا بشيء من خصائص المخلوق، وكل ما كان من خصائص المخلوق فلا بد فيه من نقص) (٣).

فمن شبه صفات الله عز وجل بصفات خلقه لم يكن عابداً لله في الحقيقة، وإنما يعبد وثناً.

وكذلك من نفى ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه في حقيقة أمره لا يعبد شيئاً موجوداً، وإنما يعبد عدماً مفقوداً (٤).

كما قيل: (الممثل يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً) (٥)، والسبيل الذي عليه أهل السنة والجماعة، هو إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، مع تنزيهه عز وجل أن يشبه شيء من صفاته شيئاً من صفات خلقه.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه, وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.

يثبتون له الأسماء والصفات، وينفون عنه مماثلة المخلوقات، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ، فقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ رد على أهل التمثيل، وقوله: السَّمِيعُ البَصِيرُ رد على أهل التعطيل) (٦).

وقال رحمه الله: (فالرسل وصفوا الله بصفات الكمال، ونزهوه عن النقائص المناقضة للكمال، ونزهوه عن أن يكون له مثل في شيء من صفات الكمال، وأثبتوا له صفات الكمال على وجه التفصيل، ونفوا عنه التمثيل) (٧).

والأدلة السمعية التي وردت في نفي المماثلة تنقسم إلى قسمين:

١ - خبر.

٢ - وطلب.

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: (الأدلة السمعية (٨) تنقسم إلى قسمين: خبر، وطلب.

- فمن الخبر قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: ١١]، فالآية فيها نفي صريح للتمثيل. وقوله: تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم: ٦٥]، فإن هذا وإن كان إنشاء، لكنه بمعنى الخبر؛ لأنه استفهام بمعنى النفي. وقوله: وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: ٤]، فهذه كلها تدل على نفي المماثلة، وهي كلها خبرية.

- وأما الطلب؛ فقال تعالى: فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: ٢٢]، أي: نظراء مماثلين. وقال: فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [النحل: ٧٤]). (٩). النفي في باب صفات الله عز وجل لأرزقي بن محمد سعيداني – ص ١١٠


(١) ((منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات)) (ص: ٢٠).
(٢) ((مجموع الفتاوى)) (٢/ ٤٤٩، ٦/ ٥١٦).
(٣) ((الصفدية)) (١/ ١٠٢)، ((بيان تلبيس الجهمية)) (٢/ ٧٠).
(٤) ((شرح القصيدة النونية)) (٢/ ٦٣).
(٥) ((مجموع الفتاوى)) (٥/ ٢٦١)، ((درء تعارض العقل والنقل)) (١٠/ ٣٠٦).
(٦) ((الصفدية)) (١/ ١٠٣)، ((درء تعارض العقل والنقل)) (٦/ ٣٤٩، ٧/ ١١١)، ((منهاج السنة النبوية)) (٢/ ٥٢٣).
(٧) ((الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)) (٤/ ٤٠٦)، ((جلاء الأفهام)) (٩٣).
(٨) على نفي المماثلة.
(٩) ((شرح العقيدة الواسطية)) (١/ ١٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>