للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: تفاضل الصفة الواحدة]

التفاضل في صفات الله قد يقع في الصفة الواحدة، فتكون الصفة الواحدة متفاضلة، ومن أدلة ذلك: تفاضل صفة الحب والبغض، قال صلى الله عليه وسلم: ((أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها)) (١). و (أحب) و (أبغض) صيغة تفضيل، وقال صلى الله عليه وسلم: ((أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم)) (٢). وقال صلى الله عليه وسلم: ((أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق يهريق دمه)) (٣). وكذا تفاضل صفة اليد كما في حديث: ((يمين الله ملآى. لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار, أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض. وبيده الأخرى القبض يرفع ويخفض)) (٤).

قال ابن تيمية: (فبين صلى الله عليه وسلم أن الفضل بيده اليمنى والعدل بيده الأخرى، ومعلوم أنه مع أن كلتا يديه يمين فالفضل أعلى من العدل، وهو سبحانه كل رحمة منه فضل, وكل نقمة منه عدل، ورحمته أفضل من نقمته) قال: (ولهذا كان المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن (٥) ولم يكونوا عن يده الأخرى وجعلهم عن يمين الرحمن تفضيل لهم، كما فضل في القرآن أهل اليمين وأهل الميمنة على أصحاب الشمال وأصحاب المشأمة، وإن كانوا إنما عذبهم بعدله، وكذلك الأحاديث والآثار جاءت بأن أهل قبضة اليمين أهل السعادة, وأهل القبضة الأخرى هم أهل الشقاوة) (٦).

ومن تفاضل الصفة الواحدة من صفات الله، تفاضل صفة الكلام، والدلائل عليه كثيرة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك: أن القرآن كلام الله وقد فضله على سائر كتبه التي سبقته وهي كلها كلامه سبحانه وتعالى، قال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ [المائدة: ٤٨]. واختص الله القرآن من بين سائر كلامه بخصائص، فاختصه بأن تكفل سبحانه بحفظه بأن تحدى الخلق أن يأتوا بمثله, أو بمثل عشر سور منه, أو بمثل سورة منه، وغير ذلك من خصائصه، وتخصيص القرآن بأحكام وفضائل توجب تشريفه وتفضيله، على غيره مما أنزل الله على رسله، وقد قال سبحانه: وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الزمر: ٥٥]، وقال: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ [الزمر: ٢٣].

ثم القرآن نفسه متفاضل، كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تفضيل بعض آياته وسوره على غيرها، فمن ذلك:

حديث أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا المنذر! أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال قلت: الله ورسوله أعلم. قال: يا أبا المنذر, أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم. قال: فضرب في صدري وقال: والله ليهنك العلم أبا المنذر)) (٧).


(١) رواه مسلم (٦٧١). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) رواه البخاري (٢٤٥٧)، ومسلم (٢٦٦٨). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٣) رواه البخاري (٦٨٨٢). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(٤) رواه البخاري (٤٦٨٤)، ومسلم (٩٩٣). من حديث أبي هريرة رضي الله عنها.
(٥) الحديث رواه مسلم (١٨٢٧). من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما.
(٦) ((جواب أهل العلم والإيمان)) (٩٢).
(٧) رواه مسلم (٨١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>