للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: الآثار الإيمانية العامة للأسماء والصفات]

إن للتعبد بالأسماء والصفات آثارا كثيرة على قلب العبد وعمله، قال العز بن عبد السلام: (اعلم أن معرفة الذات والصفات مثمرة لجميع الخيرات العاجلة والآجلة، ومعرفة كل صفة من الصفات تثمر حالا علية، وأقوالا سنية، وأفعالا رضية، ومراتب دنيوية، ودرجات أخروية، فمثل معرفة الذات والصفات كشجرة طيبة أصلها – وهو معرفة الذات – ثابت بالحجة والبرهان، وفرعها – وهو معرفة الصفات – في السماء مجدا وشرفا تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ من الأحوال والأقوال والأعمال بِإِذْنِ رَبِّهَا [إبراهيم: ٢٥] وهو خالقها إذ لا يحصل شيء من ثمارها إلا بإذنه وتوفيقه، منبت هذه الشجرة القلب الذي إن صلح بالمعرفة والأحوال صلح الجسد كله) (١).

وهذه إشارة موجزة إلى بعض تلك الآثار؛ إذ تقصي تلك الآثار أمر في غاية العسر، ويجزئ منها ما يبلغ القصد:

أولاً: محبة الله.

من تأمل أسماء الله وصفاته وتعلق قلبه بها طرحه ذلك على باب المحبة، وفتح له من المعارف والعلوم أمورا لا يعبر عنها (٢)، وإن من عرف الله أورثه ذلك المحبة له سبحانه وتعالى، قال ابن الجوزي: (فينبغي الاجتهاد في طلب المعرفة بالأدلة، ثم العمل بمقتضى المعرفة بالجد في الخدمة لعل ذلك يورث المحبة ... ذلك الغنى الأكبر، ووافقراه) (٣).

ومراده أن من عرف الله أحبه، ومن أحب الله أحبه الله، وذلك والله هو الفوز العظيم والجنة والنعيم، والمحبة هي المنزلة التي (فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون وإلى علمها شمر السابقون، وعليها تفانى المحبوب وبروح نسيمها تروح العابدون، فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون، وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال، والتي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه) (٤).

حب الله هو الفطرة:

وحب الله هو فطرة القلب التي فطر عليها، قال ابن تيمية: (والقلب إنما خلق لأجل حب الله تعالى، وهذه الفطرة التي فطر الله عليها عباده كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء) ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: اقرأوا إن شئتم: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم: ٣٠] أخرجه البخاري ومسلم (٥)، فالله سبحانه فطر عباده على محبته وعبادته وحده فإذا تركت الفطرة بلا فساد كان القلب عارفا بالله محبا له عابدا له وحده) (٦).


(١) ((شجرة المعارف والأحوال)) (ص: ١٤ - ١٥).
(٢) انظر: ((مفتاح دار السعادة)) (١/ ٢٨٦).
(٣) ((صيد الخاطر)) (ص: ٧٠).
(٤) ((مدارج السالكين)) (٣/ ٦ - ٧).
(٥) رواه البخاري (١٣٥٨)، ومسلم (٢٦٥٨).
(٦) ((مجموع الفتاوى)) (١٠/ ١٣٤ - ١٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>