للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثالث عشر: الآثار الإيمانية لاسم الله الحميد]

إذا علم العبد أن الحمد على الإطلاق إنما هو لله، وأنه يستحق جميع المحامد بأسرها، كان حرياً به أن يشتغل بالثناء والمجد لذي العلى والمجد؛ فإنه (سبحانه وتعالى له الكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه ما، والإحسان كله له ومنه، فهو سبحانه وتعالى أهل وأحق بكل حمد، وبكل حب من كل جهة، فهو أهل أن يحب لذاته, ولصفاته, ولأفعاله, ولأسمائه, ولإحسانه، ولكل ما صدر منه سبحانه وتعالى) (١).

ولا تتصور القلوب حقيقة نعمته وإحسانه، فضلاً عن أن يقوم بشكره (٢).

ولو استنفد العبد أنفاسه كلها في حمده على نعمة من نعمه، كان ما يجب له من الحمد ويستحقه فوق ذلك وأضعافه، ولا يحصي أحد البتة ثناء عليه بمحامده.

(ولكن الله سبحانه لكرمه، رضي من عباده باليسير من شكره، وأداء شكره) (٣).

وفضائل الحمد كثيرة في السنة، نذكر بعضها:

١ - عن الأسود بن سريع رضي الله عنه قال: كنت شاعراً، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! إني مدحت ربي بمحامد، قال: ((أما إن ربك يحب الحمد)) (٤).

فهو سبحانه وتعالى حميد يحب الحمد، ويحب من يحمده، وحمده لنفسه أعظم من حمد العباد له، ويحب من يثني عليه، وثناؤه على نفسه أعظم من ثناء العباد عليه.

والحمد هو الإخبار بمحاسن المحمود على وجه المحب له. (وهذه اللفظة لا تصلح على هذا الوجه، ولا تنبغي إلا لمن هذا شأنه وهو الحميد المجيد) (٥).

ومحاسن المحمود تعالى إما قائمة بذاته، وإما ظاهرة في مخلوقاته.

النوع الأول: حمد الأسماء والصفات، وهو حمد يتضمن الثناء عليه بكماله القائم بذاته، وعلى ما له من الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والمدائح والمحامد، والنعوت الجليلة الجميلة.

وتفصيل هذا مما لا سبيل للعقول البشرية إلى الإحاطة به ولا إلى التعبير عنه، ولكن بالجملة فكل صفة عليا, واسم حسن, وثناء جميل، وكل حمد, وتسبيح, وتنزيه, وتقديس, وجلال وإكرام، فهو لله عز وجل على أكمل الوجوه وأتمها وأدومها، وجميع ما يوصف به, ويذكر به, ويخبر عنه به فهو محامد له, وثناء, وتسبيح, وتقديس، فسبحانه وبحمده لا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه وفوق ما يثني به عليه خلقه، فله الحمد أولاً وآخراً, حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله ورفيع مجده وعلو جده. فهذا تنبيه على أحد نوعي حمده، وهو حمد الأسماء والصفات.

النوع الثاني: حمد النعم والآلاء، وهذا مشهود للخليقة برها وفاجرها، مؤمنها وكافرها، من جزيل مواهبه وسعة عطاياه، وكريم أياديه، وجميل صنائعه، وحسن معاملته لعباده، وسعة رحمته لهم، وبره ولطفه وحنانه، وإجابته لدعوات المضطرين، وكشف كربات المكروبين، وإغاثة الملهوفين، ورحمته للعالمين، وابتدائه بالنعم قبل السؤال ومن غير استحقاق، بل ابتداء منه بمجرد فضله وكرمه وإحسانه، ودفع المحن والبلايا بعد انعقاد أسبابها وصرفها بعد وقوعها (٦).


(١) ((جلاء الأفهام)) (ص: ٣٦٧).
(٢) ((جلاء الأفهام)) (ص: ٤٦٢).
(٣) ((جلاء الأفهام)) (ص: ٥٣٤).
(٤) رواه أحمد (٣/ ٤٣٥) (١٥٦٢٤)، والطبراني (١/ ٢٨٢) (٨٢٢). قال الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (٤/ ٢٩٨): جاءت الآثار متواترة بذلك، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١٠/ ٩٨): أحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح، وصححه أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (١/ ٦٢) كما أشار إلى ذلك في المقدمة.
(٥) انظر: ((بدائع الفوائد)) (٢/ ٥٣٧).
(٦) ((طريق الهجرتين)) (ص: ٢٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>