للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تمهيد:]

شغل مبحث (الأسماء والصفات) حيزاً كبيراً من التراث العقدي لأهل القبلة، وتعددت مدارسه، وتشعبت اتجاهاته. ولم يكن الأمر كذلك في صدر الإسلام إبان عهد النبوة، وعهد الخلفاء الراشدين، ولكن الاحتكاك بثقافات الأمم المغلوبة والمجاورة، وحركة الترجمة التي نشطت في عهد الخليفة العباسي المأمون، والاختلافات السياسية، وغيرها من الأسباب أفرزت توجهات عقدية متباينة، لحقت أخص جوانب العقيدة الإسلامية، إلا وهو الإيمان بأسماء الله وصفاته ...

قال المقريزي – رحمه الله - في كلامه على افتراق الناس في نصوص الصفات: (فصار للمسلمين في ذلك خمسة أقوال: أحدها: اعتقاد ما يفهم مثله من اللغة. وثانيها: السكوت عنها مطلقاً، وثالثها: السكوت عنها بعد نفي إرادة الظاهر، ورابعها: حملها على المجاز، وخامسها: حملها على الاشتراك).

وقال الشيخ أحمد بن إبراهيم الواسطي الشافعي: (وكنت متحيراً في الأقوال المختلفة الموجودة في كتب أهل العصر في جميع ذلك: من تأويل الصفات وتحريفها، أو إمرارها، أو الوقوف فيها، أو إثباتها بلا تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – (وجماع الأمر: أن الأقسام الممكنة في آيات الصفات وأحاديثها ستة أقسام، كل قسم عليه طائفة من أهل القبلة: قسمان يقولان: تجري على ظواهرها، وقسمان يقولان: هي على خلاف ظاهرها، وقسمان: يسكتون. أما الأولون فقسمان:

أحدهما: من يجريها على ظاهرها، ويجعل ظاهرها من جنس صفات المخلوقين. فهؤلاء (المشبهة)، ومذهبهم باطل، أنكره السلف، وإليهم يتوجه الرد بالحق.

الثاني: من يجريها على ظاهرها اللائق بجلال الله، كما يجري ظاهر اسم العليم والقدير، والرب والإله، والموجود والذات ونحو ذلك؛ على ظاهرها اللائق بجلال الله؛ فإن ظواهر هذه الصفات في حق المخلوق إما جوهر محدث، أو عرض قائم به. فالعلم، والقدرة، والكلام، والمشيئة، والرحمة، والرضا، والغضب ونحو ذلك في حق العبد أعراض؛ والوجه، واليد، والعين، في حقه أجسام، فإذا كان الله موصوفاً عند عامة أهل الإثبات بأن له علماً وقدرة، وكلاماً ومشيئة وإن لم يكن ذلك عرضاً؛ يجوز عليه ما يجوز على صفات المخلوقين، جاز أن يكون وجه الله ويداه صفات ليست أجساماً، يجوز عليها ما يجوز على صفات المخلوقين.

وأما القسمان اللذان ينفيان ظاهرها – أعني الذين يقولون: ليس لها في الباطن مدلول هو صفة الله تعالى قط، وأن الله لا صفة له ثبوتية؛ بل صفاته إما سلبية, وإما إضافية, وإما مركبة منهما، أو يثبتون بعض الصفات (وهي الصفات السبعة, أو الثمانية, أو الخمسة عشر) أو يثبتون الأحوال دون الصفات، ويقرون من الصفات الخبرية بما في القرآن دون الحديث، على ما قد عرف من مذاهب المتكلمين – فهؤلاء قسمان: قسم يتأولونها ويعينون المراد، مثل قولهم: استوى بمعنى استولى، أو بمعنى علو المكانة والقدر، أو بمعنى ظهور نوره للعرش، أو بمعنى انتهاء الخلق إليه .. إلى غير ذلك من تأويلات المتكلمين. وقسم يقولون: الله أعلم بما أراد بها، لكنا نعلم أنه لم يرد إثبات صفة خارجية عما علمناه.

وأما القسمان الواقفان: فقوم يقولون: يجوز أن يكون ظاهرها المراد اللائق بجلال الله، ويجوز أن لا يكون المراد صفة الله ونحو ذلك. وهذه طريقة كثير من الفقهاء وغيرهم. وقوم يمسكون عن هذا كله ولا يزيدون على تلاوة القرآن، وقراءة الحديث، معرضين بقلوبهم وألسنتهم عن هذه التقديرات.

فهذه الأقسام الستة لا يمكن أن يخرج الرجل عن قسم منها).

ومن خلال المقارنة بين هذه النصوص نجد تطابقاً في تحديد الاتجاهات وإن كان الأخير منها أتم في القسمة، حيث فصل ما أجمله غيره. والذي يترشح منها ما يلي:

<<  <  ج: ص:  >  >>