للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الخامس: معنى قول أهل السنة: (من غير تكييف ولا تمثيل)]

هذه العبارة فيها تمييز لعقيدة أهل السنة عن عقيدة المشبهة.

(فالتكييف) هو: جعل الشيء على حقيقة معينة من غير أن يقيدها بمماثل (١).

مثال ذلك: قول الهشامية عن الله: (طوله كعرضه) (٢).

أو قولهم: (طوله طول سبعة أشبار بشبر نفسه).

وعلى هذا التعريف يكون هناك فرق بين التكييف والتمثيل.

فالتكييف: ليس فيه تقيد بمماثل.

وأما التمثيل: فهو اعتقاد أنها مثل صفات المخلوقين.

ولعل الصواب أن التكييف أعم من التمثيل.

فكل تمثيل تكييف؛ لأن من مثل صفات الخالق بصفات المخلوقين فقد كيف تلك الصفة أي جعل لها حقيقة معينة مشاهدة.

وليس كل تكييف تمثيلاً؛ لأن من التكييف ما ليس فيه تمثيل صفات المخلوقين، كقولهم: طوله كعرضه.

ومعنى قول أهل السنة: (من غير تكييف) أي من غير كيف يعقله البشر، وليس المراد من قولهم: (من غير تكييف) أنهم ينفون الكيف مطلقاً؛ فإن كل شيء لابد أن يكون على كيفية ما، ولكن المراد أنهم ينفون علمهم بالكيف؛ إذ لا يعلم كيفية ذاته وصفاته إلا هو سبحانه (٣).

فمن المعلوم أنه لا علم لنا بكيفية صفاته عز وجل؛ لأنه تعالى أخبرنا عن الصفات ولم يخبرنا عن كيفيتها، فيكون تعمقنا في أمر الكيفية قفواً لما ليس لنا به علم، وقولاً بما لا يمكننا الإحاطة به.

وقد أخذ العلماء من قول الإمام مالك: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) قاعدة ساروا عليها في هذا الباب.

(ولا تمثيل):

المثيل لغة: هو الند والنظير.

والتمثيل: هو الاعتقاد في صفات الخالق أنها مثل صفات المخلوقين.

وهو قول الممثل: له يد كيدي, وسمع كسمعي، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.

والتمثيل والتشبيه هنا بمعنى واحد، وإن كان هناك فرق بينهما في أصل اللغة (٤).

فالمماثلة: هي مساواة الشيء لغيره من كل وجه.

والمشابهة: هي مساواة الشيء لغيره في أكثر الوجوه.

ولكن التعبير هنا بنفي (التمثيل) أولى لموافقة لفظ القرآن.

في قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشُّورى: ١١].

وقوله تعالى: فَلَا تَضْرِبُوا للهِ الأَمْثَالَ [النحل: ٧٤].

وقد وقع في التمثيل والتكييف (المشبهة) الذين بالغوا في إثبات الصفات إلى درجة تشبيه الخالق بالمخلوق.

وقد وقع في التمثيل كل من:

١ - الكرامية: أتباع محمد بن كرام السجستاني.

وهم طوائف يبلغ عددهم اثنتي عشرة فرقة، وأصولها ستة هي:

١ - العابدية. ٢ - النونية. ٣ - الزرينية.

٤ - الإسحاقية. ٥ - الواحدية. ٦ - الهيصمية.

٢ - الهشامية الرافضية الإمامية.

وهم أصحاب: هشام بن الحكم الرافضي.

وأحياناً تنسب إلى: هشام بن سالم الجواليقي، وكلاهما من الإمامية المشبهة، والجدير بالذكر أن الرافضة الإمامية كان ينتشر فيهم التشبيه وهذا في أوائلهم (٥).

وأما الرافضة الإمامية في الوقت الراهن فعلى عقيدة المعتزلة في مسائل الصفات، وكذلك (الزيدية) من الشيعة. معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات لمحمد بن خليفة التميمي– ص: ٦٤


(١) ((القواعد المثلى)) (ص: ٢٧).
(٢) ((مقالات الإسلاميين)) (ص: ٣١).
(٣) ((شرح العقيدة الواسطية)) (ص: ٢١).
(٤) ((القواعد المثلى)) (ص: ٢٧).
(٥) ((شرح الأصفهانية)) (ص: ٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>