للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم لما كان من شأن المتشابهين عجز الإنسان عن التمييز بينهما، سمّي كلّ ما لا يهتدي الإنسان إليه بالمتشابه إطلاقا لاسم السبب على المسبب.

[مدلولهما الاصطلاحي:]

يجدر بنا قبل الحديث عن مدلول المحكم والمتشابه الاصطلاحي، أن نسوق الآيات القرآنية الواردة في هذا الموضوع، فآية تصف القرآن- كل القرآن- بأنه محكم، وآية تصف القرآن- كل القرآن- بأنه متشابه، وآية تصف القرآن بأنه منه المحكم والمتشابه. وبما أننا نعلم أن القرآن منزه عن التناقض، فإننا نجزم أن هذه الآيات لا تناقض فيها، بل لكل آية معنى سديد ودقيق يلحظ بالتأمل والتمحيص والتحقيق.

فالآية القرآنية: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ .. [هود: ١]. تفيد إحكام القرآن كله آية آية، وسورة سورة، وتكاد كلمة المفسرين- قديما وحديثا- تجمع على معنى واحد لهذه الآية، وإن اختلفت تعابيرهم، فالطبري والرازي وأبو حيان يقولون: إن معنى أحكمت آياته: نظمت تنظيما رصينا لا نقص ولا خلل فيها كالبناء المحكم، فمعنى أن القرآن كله محكم كونه كلاما حقا، فصيح الألفاظ، صحيح المعاني وكل قول وكلام فالقرآن أفضل منه في فصاحة اللفظ وقوة المعنى (١).

قال الطبري: أحكم الله آياته من الدخل والخلل والباطل.

وكذلك نجد المعنى نفسه، بل الألفاظ نفسها عند المفسرين المتأخرين.

يقول الجمل في تفسيره الفتوحات الإلهية: (كتاب أحكمت آياته، أي: نظمت نظما متقنا لا يعتريه الخلل بوجه من الوجوه) (٢).

أما القاسمي فقال: (أحكمت آياته نظمت نظما رصينا محكما معجزا لا يعتريه نقص ولا خلل لفظا ومعنى) (٣).


(١) انظر تفسير ابن كثير وبحاشيته التفسير البغوي ٧/ ٢٣٦ - ٢٣٧، ط المنار.
(٢). ٢/ ٣٨٧ طبعة دار الاستقامة القاهرة.
(٣) محاسن التأويل ٩/ ٣٤٠٨.

<<  <   >  >>