للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

توبة أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها [محمد: ٢٤] ثم ذكر الله سبحانه وتعالى التوبة في قتل الخطأ، لما عسى يقع من نوع تفريط فيما يجب من الاحتياط والتحفظ، فيه حسم للأطماع وأي حسم، ولكن لا حياة لمن تنادي، فإن قلت: هل فيها دليل على خلود من لم يتب من أهل الكبائر؟ قلت: ما أبين الدليل وهو تناول قوله:

وَمَنْ يَقْتُلْ أي قاتل كان، من مسلم أو كافر، تائب أو غير تائب، إلا أن التائب أخرجه الدليل، فمن ادعى إخراج المسلم غير التائب فليأت بدليل مثله» (١).

[انتصاره لمذهب المعتزلة في الحسن والقبح العقليين:]

ولما كان الزمخشري يقول بمبدإ المعتزلة في التحسين والتقبيح العقليين، كان لا بد له أن يتخلص من ظاهر هذين النصين المنافيين لمذهبه، وهما: قوله تعالى:

رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء: ١٦٥] وقوله: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا .. [الإسراء: ١٥] فنراه في الأولى يستشعر معارضة ظاهر الآية لهذا المبدأ فيسأل هذا السؤال: «كيف يكون للناس على الله حجة قبل الرسل وهم محجوجون بما نصبه الله من الأدلة التي النظر فيها موصل إلى المعرفة، والرسل في أنفسهم لم يتوصلوا إلى المعرفة إلا بالنظر في تلك الأدلة، ولا عرف أنهم رسل الله إلا بالنظر فيها؟ ثم يجيب هو عن هذا السؤال فيقول: (قلت):

الرسل منبهون عن الغفلة، وباعثون على النظر، كما ترى علماء أهل العدل والتوحيد، مع تبليغ ما حملوه من تفصيل أمور الدين، وبيان أحوال التكليف، وتعليم الشرائع،

فكان إرسالهم إزاحة للعلة، وتتميما لإلزام الحجة، لئلا يقولوا: لولا أرسلت إلينا رسولا فيوقظنا من سنة الغفلة، وينبهنا لما وجب الانتباه له» (٢). وقد تركنا الكلام على النص الثاني خوف التطويل.

[حملة الزمخشري على أهل السنة:]

هذا، وإن المتتبع لما في الكشاف من الجدل المذهبي، ليجد أن الزمخشري قد مزجه في الغالب بشيء من المبالغة في السخرية والاستهزاء بأهل السنة، فهو لا يكاد


(١) الكشاف ج ١ ص ٣٨١.
(٢) الكشاف ج ١ ص ٣٩٨.

<<  <   >  >>