للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[نصيحة خالصة:]

بيد أن هذا التفسير الإشاري كما ترى، جاء كله على هذا النمط دون أن يتعرض لبيان المعاني الوضعية للنصوص القرآنية. وهنا الخطر كل الخطر. فإنه يخاف على مطالعه أن يفهم أن هذه المعاني الإشارية، هي مراد الخالق إلى خلقه في الهداية إلى تعاليم الإسلام، والإرشاد إلى حقائق هذا الدين الذي ارتضاه لهم.

ولعلك تلاحظ معي أن بعض الناس قد فتنوا بالإقبال على دراسة تلك الإشارات والخواطر، فدخل في روعهم أن الكتاب والسنّة، بل الإسلام كله، ما هو إلا سوانح وواردات على هذا النحو من التأويلات والتوجيهات. وزعموا أن الأمر ما هو إلّا تخيلات، وأن المطلوب منهم هو الشطح مع الخيال أينما شطح، فلم يتقيدوا بتكاليف الشريعة، ولم يحترموا قوانين اللغة العربية في فهم أبلغ النصوص العربية، كتاب الله وسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

والأدهى من ذلك أنهم يتخيّلون ويخيّلون إلى الناس، أنهم هم أهل الحقيقة الذين أدركوا الغاية، واتصلوا بالله اتصالا أسقط عنهم التكاليف، وسما بهم عن حضيض الأخذ بالأسباب، ما داموا في زعمهم مع ربّ الأرباب. وهذا- لعمر الله- هو المصاب العظيم، الذي عمل له الباطنية وأضرابهم من أعداء الإسلام، كي يهدموا التشريع من أصوله، ويأتوا بنيانه من قواعده:

يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ [التوبة: ٣٢].

فواجب النصح لإخواننا المسلمين يقتضينا أن نحذّرهم الوقوع في هذه الشباك، ونشير عليهم أن ينفضوا أيديهم من أمثال تلك التفاسير الإشارية الملتوية، ولا يعوّلوا على أشباهها، مما ورد في كلام القوم في الكتب الصوفية. لأنها كلها أذواق ومواجيد، خارجة عن حدود الضبط والتقييد. وكثيرا ما يختلط فيها الخيال بالحقيقة والحق بالباطل. وإذا تجردت من ذلك فقلما يظهر منها مراد القائل. وإذا ظهر فقد يكون من الكفريّات الفاحشة، التي نستبعد صدورها من العلماء بل من صادقي عامة المسلمين. والتي نرى الطعن فيها بالدس والوضع، أقرب وأسلم من الطعن فيمن عزيت إليه بالكفر والفسق.

<<  <   >  >>