للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:

ويمكن تلخيص موقف القرطبي ومسلكه في بيانه للأحكام الفقهية على النحو التالي:

١ - عرض لمسائل الأحكام الفقهية على مذهب الإمام مالك، وهو مذهبه دون رد أو تعقيب في غالب الأحيان، كأنّه يشير إلى رضاه وقبوله عن ذلك.

٢ - عرضه لآراء المذاهب الفقهية، الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرها، ثم يورد أدلة كل فريق ويناقشها، ثم يرجح الدليل الأقوى. وهو ما يسمى بالفقه المقارن.

[ظاهرة التعصب المذهبي:]

تنعدم هذه الظاهرة عند القرطبي، فقد كان يرجح من المذاهب ما يجد الصواب والحق بجانبه، وإن كان مخالفا لمذهبه، بل كان يخرج على مذهبه معارضا له، منصفا لغيره، متوخيا الدقة في النقل والتحرير، والأمثلة كثيرة، نختار منها ما ورد في تفسير قوله تعالى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما [البقرة: ١٥٨].

يرجح القرطبي ما ذهب إليه الشافعي، وهو ركنية السعي بين الصفا والمروة ...

فبعد أن استعرض أقوال الأئمة المجتهدين وأدلتهم في المسألة قال: «والصحيح ما ذهب إليه الشافعي، رحمه الله تعالى، لما ذكرنا وقوله عليه السّلام: «خذوا عني مناسككم» فصار بيانا لمجمل الحج، فالواجب أن يكون فرضا، كبيانه لعدد الركعات» (١).

هذا وقد خرج القرطبي عن مذهب الإمام مالك في بعض القضايا وقال:

«والقول بالخروج إن شاء الله أصح للسنة الثابتة في ذلك» (٢).

رحم الله القرطبي وأحسن مثوبته في دفاعه عن الإسلام والذود عنه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


(١) انظر الصفدي الوافي بالوفيات ٢/ ١٢٢.
(٢) ابن فرحون. الديباج المذهب ٢/ ٣٠٨.

<<  <