للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني المكي والمدني من القرآن المراد بالمكي والمدني:]

لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بيان في ذلك، لأن المسلمين آنذاك لم يكونوا في حاجة إلى هذا البيان، فهم يشهدون الوحي ومكانه وزمانه، وأسباب نزوله بل ينتظرونه أحيانا لتوضيح مسألة أو للحكم في قضية.

إنما وقع الخلاف بين العلماء حين غابت هذه الظروف، وامتد الزمن حول بعض الآيات وبعض السور، وأظهر ما يكون الخلاف في السور المكية وآياتها، لأن حوادث مكة لم تعد واضحة بينة مثل حوادث المدينة.

وقد تعددت وجهات النظر حول الأسس والضوابط في تقسيم القرآن الكريم إلى مكي ومدني، فمن العلماء من اعتبر الزمان، ومنهم من اعتبر المكان، ومنهم من راعى توجيه الخطاب.

والأول هو المشهور عند أئمة التفسير، بل المجمع عليه، لأنه تقسيم ضابط وحاصر ومطرد، فما نزل من القرآن قبل الهجرة فهو مكي، وإن نزل خارج مكة، وما نزل بعد الهجرة فهو مدني، وإن نزل خارج المدينة، بل لو نزل في مكة ذاتها. لذا فقد جعلوا سورة النصر مدنية، وقد نزلت في مكة، واعتبروا آية المائدة الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: ٥] مدنية كذلك، وقد نزلت على عرفات قرب مكة.

أما من جعل المكان مناطا للتقسيم فقال: ما نزل في مكة فهو مكي، وما نزل في المدينة فهو مدني، ولما كان من الآيات ما نزل خارج مكة وخارج المدينة، فقد وسع هؤلاء الدائرة المكانية فقالوا: ما نزل بمكة وضواحيها كمنى وعرفات والحديبية فهو مكي، وما نزل بالمدينة وضواحيها كبدر وأحد فهو مدني، وعلى الرغم من ذلك بقى هذا التقسيم غير شامل ولا حاصر لكثير من الحالات، إذ إن من الآيات ما نزل في غير مكة والمدينة وضواحيها، كالآيات التي نزلت في بيت المقدس وتبوك وغيرها، مما اضطر بعضهم إلى تقسيمه أربعة أقسام كما قال ابن النقيب في مقدمة تفسيره:

<<  <   >  >>