للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لذا نجد كثرة القصص في القرآن الكريم، إلى جانب الأساليب الأخرى، تتفاعل معها، وتتواصل في نقل الحقائق الدينية. والقصة في القرآن الكريم تتميّز عن غيرها من القصص الفنية، بموضوعها الديني، وأسلوبها الرفيع الملائم لسمو القرآن الكريم، وأشخاصها، وحوادثها ... فهي قصة فنية ذات هدف ديني بحت، ولكنها تفي بكل العناصر الفنية للقصة «١».

فقصص الأنبياء والرسل، تهدف إلى تحقيق غرض ديني من عرضها في القرآن، ولكن هذا الغرض الديني لم يخلّ بالجانب الفني فيها، بل إن الجانب الفني قد وظّف توظيفا دقيقا في سرد هذه القصص لتحقيق هذا الغرض. وهي قصص تاريخية، ولا يمكن التشكيك فيها لقوله تعالى: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ يوسف: ١١١.

والفن في هذه القصص، يكمن في صدق تصوير الأحداث، والدقة في عرضها، وإحياء مشاهدها. وليس الفن فيها اختلاقا أو تخيلا لأحداث لم تقع بقصد تحقيق التأثير النفسي للعظة والعبرة، كما زعم ذلك الدكتور محمد أحمد خلف الله في كتابه «الفن القصصي في القرآن» «٢».

وحين تهمل القصة تحديد الزمان والمكان، وأسماء الأشخاص والتعريف بهم، فإن ذلك يرجع إلى خصوصية القصة القرآنية، ذات الهدف الديني، فهي لا تهدف إلى التأريخ للأحداث، أو الإمتاع الفني المجرد، بل إنها ترمي إلى بيان رسالة الله للبشر، وموقف الناس منها على مدار التاريخ، لذلك فإنها: «ليست عملا فنيا مستقلا في موضوعه، وطريقة عرضه، وإدارة حوادثه، كما هو الشأن في القصة الفنية الحرة التي ترمي إلى أداء غرض فني طليق- إنما هي وسيلة من وسائل القرآن الكثيرة إلى أغراضه الدينية.

والقرآن كتاب دعوة دينية قبل كل شيء، والقصة إحدى وسائله لإبلاغ هذه الدعوة وتثبيتها» «٣».

ومن الخطأ أن ننظر إلى القصة في القرآن، من خلال المقاييس الفنية المستخلصة من


(١) انظر «القصة في القرآن» في كتاب التصوير الفني في القرآن. ص ١٤٣ وما بعدها.
(٢) الفن القصصي في القرآن الكريم: الدكتور محمد أحمد خلف الله. ص ٢٨.
(٣) التصوير الفني في القرآن: ص ١٤٣.

<<  <   >  >>