للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد تجمعت فلولهم في مالطة عام ١٨١٥م (١٢١٣هـ) ووضعوا برامج للتبشير في الدول العربية استجابة لبرنامج إنجليزي اسمه " مشروع تنصير بلاد البحر الأبيض المتوسط " وأرادوا من خلال انتشارهم في الشرق الإسلامي تعويض الخسارة التي لحقت بالكنيسة في أوربا أمام موجة الحضارة الجديدة الناشئة في الغرب. (١)

ففي عام ١٨٣٠ غزت فرنسا الجزائر، وقد صحب الجنرال الفرنسي بورمنت ستة عشر قسيساً، وقال لهم بعد سقوط مدينة الجزائر: " إنكم أعدتم معنا فتح الباب للنصرانية في أفريقيا، ونأمل أن تنبع قريباً الحضارة التي انطفأت في هذه الربوع.

فيما وصل أول المنصرين إلى السودان عام ١٢٦٥هـ (١٨٤٨م) بأمر من البابا جريجوري السادس، وكان قد أمر عام ١٢٦٣هـ بإنشاء نيابة أفريقيا الوسطى الرسولية. وكانت الإرساليات التبشيرية قد زعمت أنها أتت لمحاربة تجارة الرقيق التي استشرت في أوربا، ورأت أن الوسيلة المثلى للقضاء عليها هي تتبعه في أماكن تصديره كما نص على ذلك مذكرة بوكستن المقدمة للحكومة البريطانية عام ١٢٥٤هـ.

وقد مني التبشير والاستعمار بنكسة كبيرة بسبب ثورة المهدي ١٣٠٢هـ فقتل الجنرال غوردون، وعلقت لجنة إدارة الإرساليات نشاطها في السودان، ثم عادت مع عودة الجيش البريطاني بقيادة كتشنر.

وقد عمل المستعمر البريطاني على تقسيم السودان أمام الإرساليات التبشيرية إلى قسمين: أولهما: القسم الشمالي وهو منطقة شبه محرمة يمنع العمل التبشيري فيها إلا في حدود ضيقة، وقد سمح للمبشرين بالاهتمام بتحرير العبيد ودعوة الوثنيين. ثم سمح لهم بإقامة مراكز طبية في الخرطوم، والذي دفع المستعمر البريطاني لهذا التضييق هو خشيتهم من ثورة مشابهة لثورة المهدي في القسم الشمالي المسلم.

وأما القسم الثاني فهو جنوب السودان، وقد فتحت أبواب التبشير فيه على أكمل وجه، وتقاسمته الإرسالية البريطانية والأمريكية، وكان العمل في جنوب السودان على مرحلتين: أولاهما: التخلص من الوجود الإسلامي بمحاربة العرب ولغتهم وإبعادهم بواسطة أوامر


(١) انظر: ملامح عن النشاط التنصيري في الوطن العربي، إبراهيم عكاشة، ص (٥٥)، التبشير المسيحي في منطقة الخليج العربي، أحمد فون دنفر، ص (٣).

<<  <   >  >>