للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومن جانب آخر فإن الحركة التبشيرية وليدة أطماع استعمارية صليبية، وقد وضع أسسها الملك لويس التاسع حينما كان في سجن المنصورة فكتب داعياً إلى " تحويل الحملات العسكرية الصليبية إلى حملات صليبية سلمية تستهدف الغرض نفسه، لا فرق بين النوعين إلا من حيث نوع السلاح المستخدم في المعركة .... تجنيد المبشرين الغربيين في هذه المعركة السلمية لمحاربة تعاليم الإسلام ووقف انتشاره، ثم القضاء عليه معنوياً، واعتبار هؤلاء المبشرين في تلك المعارك جنوداً للغرب.

وقد أجاب المبشرون إلى هذه الحرب الصليبية الجديدة فيقول القس مييز: " إن الحرب الصليبية الهادئة التي بدأها مبشرونا في القرن السابع عشر لا تزال مستمرة إلى أيامنا هذه ".

ويقول اليسوعيون " ألم نكن نحن ورثة الصليبين ... أولم نرجع تحت راية الصليب لنستأنف التسرب التبشيري والتحدي المسيحي ... وهكذا تستطيع الكنيسة المسيحية بلا حرب أن تسترد تلك المناطق التي خسرتها منذ أزمان طوال ". (١)

وقد عمل الكثيرون من رجال الكنسية تحت مظلة الاستعمار، وداروا في فلكه، فقد تولى الراهب دولا فورست طلب الامتيازات للفرنسيين من الباب العالي، وكان أول سفير لفرنسا في الأستانة عام ١٥٨٣م، كما عين الأمريكيون المنصر ناثان قنصلاً للولايات الأمريكية بالإنابة في طنجة، وعين المنصر تاهنسال قنصلاً للنمسا في الخرطوم سنة ١٢٩٣هـ، وكان المنصر لا فيجري الفرنسي رئيساً للبعثة المرافقة للجيش الفرنسي المحارب في القرم، وتولى المنصر جون فان أيس خلال الحرب العالمية الأولى أمر القنصلية الأمريكية في البصرة. (٢)

وقد أكد المستعمرون على أهمية عمل المبشرين، وصرحوا بالمهمات المنوطة بهؤلاء الرهبان فقال نابليون الأول في جلسة مجلس الدولة عام ١٨٠٤م: " إن في نيتي إنشاء مؤسسة الارساليات الأجنبية، فهؤلاء الرجال المتدينون سيكونون عوناً كبيراً لي في آسيا


(١) انظر: حقيقة التبشير بين الماضي والحاضر، أحمد عبد الوهاب، ص (١٥٤)، التبشير والاستعمار في البلاد العربية، مصطفى خالدي وعمر فروخ، ص (١٢٧).
(٢) انظر: التبشير والاستعمار في البلاد العربية، مصطفى خالدي وعمر فروخ، ص (١٣٣ - ١٣٤)، ملامح عن النشاط التنصيري في الوطن العربي، إبراهيم عكاشة، ص (٤٨ - ٤٩)، المسيحية، أحمد شلبي، ص (١٦٠ - ١٦١).

<<  <   >  >>