للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الأول: الاستعمار]

[مصطلح الاستعمار]

الاستعمار لفظة محدثة مشتقة من عَمَر، واستعمره في المكان أي جعله يعمره، ومنه قوله تعالى: {هو الذي أنشأكم في الأرض واستعمركم فيها} (هود: ٦١).

فالأصل اللغوي يفيد معنى طلب التعمير والسعي لتحقيق العمران، لكن الواقع لا علاقة له بالمعنى اللغوي.

ويعرف الشهابي وحبنكة الاستعمار موافقين لما جاء في المعجم الوسيط بأنه استيلاء دولة أو شعب على دولة أخرى وشعب آخر لنهب ثرواته وتسخير طاقات أفراده والعمل على استثمار مرافقه المختلفة. (١)

وهذا التعريف يشمل أنواع مختلفة من الاستعمار لاتختلف عن بعضها إلا بالأسماء وبعض الأشكال، فمن أشكال الاستعمار أن تضع دولة ما أخرى تحت حمايتها وإشرافها وتسلبها من حريتها بقدر ما يتناسب مع قوة هذه الدولة وضعف تلك، وفي الأغلب يكون للدولة المحمية شبه سيادة داخلية يمارسها حكام وطنيون تديرهم الدولة المستعمرة من خلف ستار.

ومن أمثلة هذا الشكل للاستعمار ما فعلته فرنسا في تونس حيث وقعتا معا معاهدة حماية في ١٢/ ٥/١٨٨١م، ثم جددت في ٨/ ٦/١٨٨٣م، وبموجب بنود هذه الحماية فقدت تونس سيادتها الخارجية وحقها في التمثيل الدبلوماسي المستقل، كما سلبت حق إبرام المعاهدات الخارجية، وعينت فرنسا آلاف الموظفين يرعون مصالحها يرأسهم المقيم العام.

وما حصل في تونس كررته فرنسا في مراكش بموجب معاهدة ٣٠/ ٣/١٩١٢م وفعله الإنجليز في مصر خلال احتلالهم لها بين عام ١٩١٤ - ١٩٢٢م. (٢)

وبعد الحرب العالمية الأولى ظهر شكل جديد من أشكال الاستعمار أقرته عصبة الأمم المتحدة التي تكونت حينذاك كمنظمة أممية لنشر السلام ومنع الحروب، فقد كرست عصبة


(١) انظر: المعجم الوسيط (٢/ ٦٢٧)، أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها، عبد الرحمن حبنكة الميداني، ص (٥١)، محاضرات في الاستعمار، مصطفى الشهابي، ص (٢٣).
(٢) انظر: محاضرات في الاستعمار، مصطفى الشهابي، ص (١٥ - ٢٠).

<<  <   >  >>