للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

رابعاً: حسن العشرة والمعاملة الحسنة

أمر الله في القرآن الكريم المسلمين ببر مخالفيهم في الدين، الذين لم يتعرضوا لهم بالأذى والقتال، وذلك ما ينطبق على مواطنينا من اهل الأديان وكذلك أهل سائر البلدان غير المسلمة، فكل هؤلاء يصدق فيهم قول الله: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} (الممتحنة: ٨).

قال الطبري: "عنى بذلك لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين من جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتصلوهم وتقسطوا إليهم .. وقوله: {إن الله يحب المقسطين} يقول: إن الله يحب المنصفين الذين ينصفون الناس ويعطونهم الحق والعدل من أنفسهم، فيبرون من برهم، ويحسنون إلى من أحسن إليهم" (١).

والبر أعلى أنواع المعاملة، فقد أمر الله به في باب التعامل مع الوالدين، وقد وضحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «البر حسن الخلق» (٢).

ويعدد الإمام القرافي صوراً للبر يرى أن الآية تأمر المسلم بها، وتحكم من خلالها علاقته مع غير المسلمين ممن لم يحاربهم في الدين ولا الأرض، فيقول: " ولين القول على سبيل اللطف لهم والرحمة، لا على سبيل الخوف والذلة (٣)، واحتمال إذايتهم في الجوار مع القدرة على إزالته، لطفاً منا بهم، لا خوفاً وتعظيماً، والدعاء لهم بالهداية، وأن يجعلوا من أهل السعادة، نصيحتهم في جميع أمور دينهم، وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم .. وكل خير يحسُن من الأعلى مع الأسفل أن يفعله، ومن العدو أن يفعله مع عدوه، فإن ذلك من مكارم الأخلاق .. نعاملهم - بعد ذلك بما تقدم ذكره - امتثالاً لأمر ربنا عز وجل وأمر نبينا - صلى الله عليه وسلم - " (٤).

وقد تجلى حسن الخلق عند المسلمين في تعاملهم مع غيرهم في كثير من تشريعات الإسلام التي أبدعت الكثير من المواقف الفياضة بمشاعر الإنسانية والرفق.

فقد أوجب الإسلام حسن العشرة وصلة الرحم حتى مع الاختلاف في الدين، فقد أمر الله بحسن الصحبة للوالدين؛ وإن بذلا الجهد في رد ابنهما عن التوحيد إلى الشرك، فإن ذلك لا يقطع حقهما في بره وحسن صحبته: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما


(١) جامع البيان، الطبري (١٢/ ٦٢).
(٢) أخرجه مسلم ح (٢٥٥٣).
(٣) أي نلين لغير المسلمين بالقول والفعل رحمة بهم؛ لا خوفًا منهم، وكذلك الحال في احتمال أذيتهم.
(٤) الفروق (٣/ ٢١ - ٢٢)، وقد بين رحمه الله في كلام نفيس له ضوابط المعاملة مع غير المسلمين، وما يجوز منها وما لا يجوز، فليرجع إليه.

<<  <   >  >>