للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

خامساً: العدل في معاملتهم ورفع الظلم عنهم

بعث الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بمكارم الأخلاق «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» (١)، وهو كما يرى ابن عبد البر «حديث مدني صحيح، ويدخل في هذا المعنى الصلاح والخير كله، والدين والفضل والمروءة والإحسان والعدل؛ فبذلك بعث ليتممه - صلى الله عليه وسلم -» (٢).

وإن من أهم المُثل ومكارم الأخلاق التي جاء محمد - صلى الله عليه وسلم - لحمايتها وتتميمها؛ العدل، وهو غاية قريبة ميسورة إذا كان الأمر متعلقاً بإخوة الدين أو النسب، وغيرها مما يتعاطف له البشر.

لكن صدق هذه الخُلة إنما يظهر إذا تباينت الأديان وتعارضت المصالح، وهو ما يعنينا في هذا المبحث، فما هو حكم الإسلام في العدل مع غير المسلمين، وهل حقق المسلمون ما دعاهم إليه دينهم أم خالفوه؟

لقد أمر القرآن الكريم بالعدل، وخصَّ - بمزيد تأكيده - على العدل مع المخالفين الذين قد يظلمهم المرء بسبب الاختلاف والنفرة، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} (المائدة: ٨).

قال القرطبي: "ودلت الآية أيضاً على أن كفر الكافر لا يمنع من العدل عليه، وأن يُقتصر بهم على المستحق من القتال والاسترقاق، وأن المُثلة بهم غير جائزة، وإن قتلوا نساءنا وأطفالنا، وغمّونا بذلك؛ فليس لنا أن نقتلهم بمثله قصداً لإيصال الغم والحزن إليهم" (٣).

وقال البيضاوي: "لا يحملنكم شدة بغضكم للمشركين على ترك العدل فيهم، فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يحل، كمُثلة وقذف وقتل نساء وصِبية ونقض عهد، تشفياً مما في قلوبكم {اعدلوا هو أقرب للتقوى} أي: العدل أقرب للتقوى " (٤).

وتمضي الآيات القرآنية لترسم للمؤمنين طريقة التعامل مع أعدائهم من الكافرين الذين يحاربونهم في دينهم ويصدونهم عن قبلتهم، فتأمر بالعدل مرة أخرى، وتحذر من الاعتداء الذي قد يستدعيه الشنآن {ولا يجرمنكم شنآن قومٍ أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا


(١) أخرجه أحمد ح (٨٧٢٩) واللفظ له، والبخاري في الأدب المفرد ح (٢٧٣)، وصححه الألباني في الصحيحة (٤٥).
(٢) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (٢٤/ ٣٣٤).
(٣) الجامع لأحكام القرآن (٦/ ١١٠).
(٤) مواهب الجليل، ص (١٣٧).

<<  <   >  >>