للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد صرحت الآيات القرآنية بكفر اليهود منهم {فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلفٌ بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً * وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً} (المائدة: ١٥٥ - ١٥٦).

وقد أكفر الله نصارى أهل الكتاب بقوله: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} (المائدة: ١٧)، وقوله: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثةٍ وما من إلهٍ إلا إلهٌ واحدٌ وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ} (المائدة: ٧٣).

[ب. أنواع الكفار]

الكفار المستعلنون برفض الإسلام وعقائده وأصوله لا فرق بينهم في أحكام الآخرة، فكلهم متوعد بالنار يوم القيامة {وأن للكافرين عذاب النار} (الأنفال: ١٤)، وإن اختلفت بواعث كفرهم.

وأما في أحكام الدنيا فالشريعة تفرق بين الكفار بحسب عدائهم للمجتمع المسلم، فلا يستوي فيها أبو طالب وأبو جهل، نعم. كلاهما كفر بدين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لكن أحدهما أعلن العداء لدين الحق وحارب الله ورسوله، بينما دافع الآخر عن الحق، وحماه، وذاد عن حياضه؛ وإن لم يؤمن به، فلا سواء في أحكام الدنيا بين هذا وذاك.

والكفار بحسب شريعة المجتمع المسلم على أنواع، أجملهم الإمام ابن القيم بقوله: «الكفار إما أهل حرب وإما أهل عهد؛ وأهل العهد ثلاثة أصناف: أهل ذمة، وأهل هدنة، وأهل أمان» (١).

فأول أنواعهم؛ الحربي، وهو المقيم في بلاد الكفر المحاربة للمسلمين، ولا تعلق له بمبحثنا إلا إذا دخل بلاد المسلمين بهدنة أو أمان، فإنه لا يصير حينذاك حربياً، بل يكون من أهل النوع الثاني؛ أهل العهد، أي يكون معاهداً أو مستأمناً.

والأصل في ألفاظ (الأمان والعهد والذمة) أنها ألفاظ عامة، تشمل أنواع المستأمنين والمعاهدين وغيرهم ممن هم في بلاد الإسلام بعقد ذمة أو هدنة أو أمان، فذمَّة المسلمين وعهودهم وأمانهم ثابتة لكل هذه الأصناف، والأصل في معاملتهم جميعاً قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} (المائدة: ١).

ورغم ترادف ألفاظ الذمة والهدنة والأمان وغيرها؛ فإن الفقهاء فرقوا بينها من الناحية الاصطلاحية، فخصوا كل واحد منها بنوع من الكفار.

فـ (أهل الذمة) هم الكفار المقيمون تحت ولاية المسلمين وفي دولتهم، قال ابن القيم: "ولفظ الذمة والعهد يتناول هؤلاء [أهل الذمة وأهل الهدنة وأهل الأمان] كلهم في الأصل , وكذلك لفظ الصلح، فإن الذمة من جنس لفظ العهد والعقد.

وقولهم: هذا في ذمة فلان، أصله من هذا، أي: في عهده وعقده .. ولكن صار في اصطلاح كثير من الفقهاء (أهل الذمة) عبارة عمن يؤدي الجزية، وهؤلاء لهم ذمة مؤبدة، وهؤلاء قد عاهدوا المسلمين على أن يجري عليهم حكم الله ورسوله، إذ هم


(١) أحكام أهل الذمة (٢/ ٨٧٣).

<<  <   >  >>