للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما استبانت له نبوته قال: "فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدميَّ هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه".

[كرم النبي - صلى الله عليه وسلم -]

ومن جميل صفاته - صلى الله عليه وسلم - كرمُه الفياض، وجُوده السيّال، كرمُه كرمُ رجل عافت نفسه الدنيا، حتى ما عاد يفرح بإقبالها، ولا يغتم ولا يهتم بإدبارها، إنه أكرمُ الناس وأجودُهم، وصفه ابنُ عمهِ ابنُ عباس - رضي الله عنه - فقال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسُه القرآن، فلرسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أجودُ بالخير من الريح المرسلة). (١)

وعاشره أنس بن مالك عشرَ سنين، ثم وصفه فقال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسنَ الناس وأشجعَ الناس وأجودَ الناس). (٢)

ومن رام إثبات ذلك فليصخ السمع وهو شهيد:

رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من حنين فعلِقه الناس يسألونه، حتى اضطروه إلى سمُرة [نوع من الشجر]، فخطِفَتْ رداءَه، فوقف النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العِضاهِ نَعَماً لقسمتُه بينَكم، ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذوباً ولا جباناً)). (٣)

وجاء إليه - صلى الله عليه وسلم - رجل فسأله أن يعطيه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما عندي شيء، ولكن ابتع عليَّ، فإذا جاءني شيء قضيتُه)). فقال عمر: يا رسول الله، ما كلفك الله ما لا تقدر عليه، فكره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قولَ عمر.

فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أنفق، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً.

فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعُرف البِشر في وجهه بقول الأنصاري، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: ((بهذا أمرت)). (٤) فعطاؤه مع العوز وقلة ذات اليد، وهذا غاية الجود.


(١) رواه البخاري ح (٦)، مسلم ح (٢٣٠٨).
(٢) رواه البخاري ح (٢٨٢٠).
(٣) رواه البخاري ح (٢٨٢١).
(٤) رواه الطبري في تهذيب الآثار ح (١٦٨)، والترمذي في الشمائل ح (٣٥٠)، والبزار في مسنده ح (٢٧٤).

<<  <   >  >>