للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجاءه - صلى الله عليه وسلم - نفرٌ من الأنصار فسألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفِد ما عنده، ثم قال: ((ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعففْ يعِفُّهُ الله، ومن يستغن يغنِه الله، ومن يتصبر يصبرْه الله، وما أعطي أحد عطاء هو خيرٌ وأوسعُ من الصبر)). (١)

وجاءته امرأة ببردة فقالت: يا رسول الله، إني نسجت هذه بيدي أكسوكَها، فأخذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محتاجاً إليها، فخرج إلينا، وإنها لإزاره، فجسَّها رجل من القوم فقال: يا رسول الله اُكسُنيها. قال: ((نعم)).

فجلس ما شاء الله في المجلس، ثم رجع، فطواها، ثم أرسل بها إليه، فقال له القوم: ما أحسنت، سألتَها إياه، وقد عَرفْتَ أنه لا يرد سائلاً! فقال الرجل: والله ما سألتُها إلا لتكون كفني يوم أموت. (٢)

نعم، إنه - صلى الله عليه وسلم - لا يرد سائلاً، ويجود حتى بما هو أحوج الناس إليه.

هو البحر من أيِ النواحي أتيتَه ... فلُجتُه المعروف والبحرُ ساحله

تراه إذا ما جئته متهللاً ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله

ولو لم يكن في كفه غيرُ روحه ... لجاد بها فليتق الله سائلُه

ولفرط كرمه - صلى الله عليه وسلم -، يقول جابر: (ما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شيء قط؟ فقال: لا). (٣)

في يوم حنين جاءه رجلٌ فسأله غنماً بين جبلين، فأعطاه إياه، فأتى قومه، فقال: أيْ قومِ أسلموا، فوالله إن محمداً ليعطي عطاء من لا يخاف الفقر!

فقال أنس: إن كان الرجل ليُسلِم، ما يريدُ إلا الدنيا، فما يسلمْ حتى يكونَ الإسلام أحبَ إليه من الدنيا وما عليها. (٤)


(١) رواه مالك في الموطأ ح (١٨٨٠).
(٢) رواه البخاري ح (٥٨١٠).
(٣) رواه البخاري ح (٦٠٣٤)، ومسلم ح (٢٣١١).
(٤) رواه مسلم ح (٢٣١٢).

<<  <   >  >>