للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويذكر ابن عساكر أن صفوان بن أمية سار يوم حنين بين الغنائم، فجعل ينظر إلى شِعبٍ مُلأ نعماً وشاء ورعاء، فأدام النظر إليه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمُقه فقال النبي: ((أبا وهب، يعجبُك هذا الشِعب؟)) قال: نعم. فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((هو لك وما فيه)).

فقال صفوان: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفسُ نبي، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أسلم صفوان سيد قريش وأحد عقلائها لما رآه من جود النبي - صلى الله عليه وسلم -، فرأى في كرم كفه وفيضِ عطائه وطيبةِ نفسه بهذا العطاء؛ ما يدل على نبوته ورسالته - صلى الله عليه وسلم -.

وعطاؤه - صلى الله عليه وسلم - ليس مرتبطاً بمصلحة شخصية، ولا يطرد بزيادة العلاقة مع المُعطى أو نقصاِنها، يقول عليه الصلاة والسلام: ((إني لأعطي الرجل، وغيرُه أحبُ إليّ منه، خشيةَ أن يكبه الله في النار)). (١)

ومن صور كرمه - صلى الله عليه وسلم - ما رواه جابر بن عبد الله، قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة فقال لي: ((أتبيع ناضِحك [أي جملك] هذا بدينار، واللهُ يغفرُ لك؟)).

قلت: يا رسول الله هو ناضِحكم إذا أتيتُ المدينة [أي أنه يعطيه للرسول - صلى الله عليه وسلم - بلا مقابل إذا وصلوا المدينة].

فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((فتبيعه بدينارين، واللهُ يغفر لك؟)) قال: فما زال يزيدني ديناراً ديناراً، ويقول مكان كل دينار: ((والله يغفر لك)) حتى بلغ عشرين ديناراً.

فلما أتيت المدينة أخذتُ برأس الناضح، فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((يا بلال، أعطه من الغنيمة عشرين ديناراً)) وقال: ((انطلق بناضحك، فاذهب به إلى أهلك)). (٢)

وفي رواية في مسند أحمد قال جابر: (فمررت برجل من اليهود، فأخبرته: قال: فجعل يعجب، ويقول: اشترى منك البعير، ودفع إليك الثمن، ووهبه لك؟ فقلت: نعم).

وحُق له أن يعجب، رجل يشتري جملاً من آخر، ويزيده في السعر، ثُم يعطيه ثمن البعير والبعير، فما هذا بمعهود بين الناس لا مألوف، إنه جود نبي أدبه ربه فأحسن تأديبه.


(١) رواه البخاري ح (٢٧)، ومسلم ح (١٥٠).
(٢) رواه ابن ماجه ح (٢٢٠٥)، وأحمد ح (١٣٨٣٩).

<<  <   >  >>