للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك في وجهه. فقلت: يا رسول الله، إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيتَه عُرف في وجهك الكراهية! فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عائشة، ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عُذِّب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: {هذا عارض ممطرنا} (الأحقاف: ٢٤))). (١)

وذات ليلة يرى النبي - صلى الله عليه وسلم - في منامه أخبار الفتن وهو في بيت أم سلمة، فيأمر أن تستيقظ نساؤه، وأن يقُمن لقيام الليل فزعاً وتعوذاً مما يأتي من الفتن، تقول أم سلمة: فاستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزِعاً، يقول: ((سبحان الله! ماذا أنزل الليلة من الخزائن؟ وماذا أنزل من الفتن؟ من يوقظ صواحب الحجرات، يا رُبَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٌ في الآخرة)). (٢)

وفي ليلة أخرى رآه بعض أزواجه وهو يتلوى في آخر الليل على فراشه، لا يجد الكرى إلى عينيه سبيلاً، فما الذي أرَّقه - صلى الله عليه وسلم -؟

يجيبنا عبد الله بن عمرو، فيقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نائماً، فوجد تمرة تحت جنبه، فأخذها فأكلها، ثم جعل يتضور من آخر الليل، وفزع لذلك بعض أزواجه فقال: ((إني وجدت تمرة تحت جنبي، فأكلتُها، فخشيتُ أن تكون من تمر الصدقة)). (٣) إن الذي أرَّقَ النبي - صلى الله عليه وسلم - خوَّفَه أن تكون التمرة التي أكلها من تمر الصدقة التي لا تحل له.

وأما عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - لربه، فهي شاهد لا مراء في صدقه، فهي مما لا يصدر عن دعي يكذب على الله ويضل الناس باسمه، وحاشاه - صلى الله عليه وسلم - أن يكون دعياً، فما من دعي يكذب على ربه ثم يجهد نفسه بالعبادة له.

تروي لنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حال النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليله، فتقول: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه. فقلتُ له: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أفلا أكون عبداً شكوراً؟)). (٤)


(١) رواه البخاري ح (٤٨٢٩)، ومسلم ح (٨٩٩).
(٢) رواه البخاري ح (١٠٥٨).
(٣) رواه أحمد ح (١١٤٠٠)، وابن ماجه (٢٢٠١).
(٤) رواه البخاري ح (٤٨٢٧)، ومسلم ح (٢٨٢٠).

<<  <   >  >>