للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابعاً: إخباره - صلى الله عليه وسلم - بأخبار الفتن

وإن مما أخبر عنه - صلى الله عليه وسلم - من الغيوب الدالة على نبوته؛ أخبار الفتن التي وقعت بين أصحابه بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -، فكان إخباره بذلك برهان نبوته وعَلم رسالته.

فقد أشرفَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً على أُطم من آطام المدينة فقال لأصحابه: ((هل ترون ما أرى؟)) قالوا: لا. قال: ((فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع القطر)). (١)

قال النووي: "والتشبيه بمواقع القطر في الكثرة والعموم، أي: أنها كثيرة، وتعُمُّ الناس، لا تختص بها طائفة، وهذا إشارة إلى الحروب الجارية بينهم، كوقعة الجمل وصِفِّين والحرة، ومقتلِ عثمان، ومقتلِ الحسين رضي الله عنهما وغيرِ ذلك، وفيه معجزة ظاهرة له - صلى الله عليه وسلم - ". (٢)

ويبين ابن حجر معنى اختصاص المدينة بالفتن، فيقول: "وإنما اختصت المدينة بذلك لأن قتل عثمان - رضي الله عنه - كان بها، ثم انتشرت الفتن في البلاد بعد ذلك، فالقتال بالجمل وبصفين كان بسبب قتل عثمان، والقتال بالنهروان كان بسبب التحكيم بصفين، وكل قتال وقع في ذلك العصر إنما تولد عن شيء من ذلك، أو عن شيء تولد عنه ". (٣)

وكما أنبأ النبي بوقوع فتنة قتل عثمان في المدينة المنورة، فإنه أشار إلى ما سيقع من الفتن في العراق أو بسبب أهلها، فقال - صلى الله عليه وسلم - وهو يشير إلى المشرق: ((الفتنة من ها هنا)). (٤)

قال ابن حجر في شرحه: "وأول الفتن كان منبعها من قبل المشرق، فكان ذلك سبباً للفرقة بين المسلمين، وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به، وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة". (٥)


(١) رواه البخاري ح (٧٠٦٠)، ومسلم ح (٢٨٨٥).
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم (١٨/ ٧ - ٨).
(٣) فتح الباري (١٣/ ١٦).
(٤) رواه البخاري ح (٥٢٩٦)، ومسلم ح (٢٩٠٥).
(٥) فتح الباري (١٣/ ٥١).

<<  <   >  >>