للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن أول الفتن التي ابتلي بها الصحابة رضي الله عنهم خروج المنافقين على عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، وطلبهم نزعه من الخلافة ثم قتلُه - رضي الله عنه -، وقد أخبر النبي عثمان ببعض معالم هذه الفتنة فقال له: ((يا عثمانُ، إنه لعل الله يقمّصُك قميصاً، فإن أرادوك على خلعه، فلا تخلعه لهم)). (١)

لقد أنبأه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سبق - أنه يموت شهيداً، وها هو ينبئه عن خلافته، وأن ثمةَ من يريد خلعَه من هذه الخلافة، فطلب منه النبي - صلى الله عليه وسلم - عدم موافقتهم عليه، وكل ذلك من أخبار الغيب الصادقة الدالة على نبوته - صلى الله عليه وسلم -.

قال المباركفوري: "يعني إن قصدوا عزلك عن الخلافة، فلا تعزل نفسك عنها لأجلهم؛ لكونك على الحقّ، وكونهم على الباطل , ولهذا الحديث فإن عثمانَ - رضي الله عنه - لم يعزل نفسَهُ حين حاصرُوهُ يوم الدّار ". (٢)

ووصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بدقة معالم هذه الفتن التي تتابعت بعد مقتله، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - يراها، وفي مقدمتها الفتنة الكبرى التي اقتتل فيها الصحابة في معركتي الجمل وصفين، وذلك بعد وفاته بثلاثين سنة، فيقول: ((لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان، دعواهما واحدة)). (٣)

قال ابن كثير: "وهاتان الفئتان هما أصحاب الجمل وأصحاب صفين، فإنهما جميعاً يدعون إلى الإسلام، وإنما يتنازعون في شيء من أمور المُلك ومراعاة المصالح العائد نفعها على الأمة والرعايا، وكان ترك القتال أوْلى من فعله، كما هو مذهب جمهور الصحابة". (٤)

قال ابن حجر: " قوله: ((دعواهما واحدة)) أي دينهما واحد، لأن كلا منهما كان يتسمى بالإسلام, أو المراد أن كلا منهما كان يدعي أنه المحق". (٥)


(١) رواه الترمذي ح (٣٧٠٥)، وأحمد في المسند ح (٢٤٦٣٩)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي ح (٢٩٢٣٣).
(٢) تحفة الأحوذي (١٠/ ١٣٧).
(٣) رواه البخاري ح (٦٩٣٦).
(٤) البداية والنهاية (٦/ ٢١٤).
(٥) فتح الباري (٦/ ٧١٣).

<<  <   >  >>